بقلم: د. تركي العيار
في زمنٍ تتسارع فيه مظاهر البذخ وتتعاظم فيه صور الوجاهة الاجتماعية، نشهد مفارقة مؤلمة: بعض الأثرياء ينفقون بسخاء على ولائم يومية وضيافات أسبوعية تُعزز مكانتهم أمام الناس، لكنهم يضنون على الفقراء والمحتاجين بأقل القليل، ويتحججون بحجج واهية لا تصمد أمام العقل ولا الشرع، وكأن أبواب الخير وطرق الإنفاق لا تستحق جزءًا يسيرًا مما ينفقونه على كماليات حياتهم.
إن الإسلام كما تعلمون حثّ على البذل في أوجه الخير، ووعد المنفقين بالأجر العظيم، فقال الله تعالى:
> {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]
وقال سبحانه:
{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]
كما جاء في الحديث الشريف:
> “ما نقص مال من صدقة” (رواه مسلم)
وفي حديث آخر:
“الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (رواه الترمذي)
رغم أن المجتمع السعودي يشتهر بالكرم وعطاء الخير، إلا أن الإحصاءات الحديثة تكشف عن فجوة بين إمكانات بعض الأثرياء وحجم مساهمتهم الفعلية في مساعدة المحتاجين: فإجمالي التبرعات عبر منصة “إحسان” منذ إطلاقها في مارس 2021: أكثر من 10 مليارات ريال.
الحملة الرابعة (رمضان 2024): تجاوزت التبرعات 1.5 مليار ريال.
الحملة الخامسة (رمضان 2025): بلغت التبرعات 862 مليون ريال عبر أكثر من 4 ملايين عملية تبرع. نسبة الزيادة في التبرعات لعام 2024: بلغت 41% مقارنة بالعام السابق، بمعدل 3 عمليات تبرع في الثانية. هذه الأرقام تعكس تضامن المجتمع، لكنها أيضًا تضعنا أمام تساؤل: إذا كان هذا هو عطاؤنا العام، فكيف يكون الحال لو أن كل صاحب ثروة كبرى اقتطع جزءًا يسيرًا من نفقات سفره وولائمه لدعم مشاريع إغاثية أو تفريج كربات؟
البعض يتذرع بأن التصدق سيقلل من أمواله، لكن الواقع أن الله وعد بالخلف، والتجارب الشخصية تؤكد أن العطاء يجلب البركة. كما قال أحد المعلقين في منصات التواصل: “لاحظت أي شيء أطلعه من فلوسي يرجع لي أضعافه… شفت البركة”.
إن إطعام الضيوف أمر محمود إذا اقترن بالإنفاق على المحتاجين، أما أن تتحول الولائم إلى وسيلة استعراض بينما يُترك الجار جائعاً فهذا نقص في المروءة قبل أن يكون تقصيرًا في الدين.
في الختام ، اقول مؤكدا بأن الغنى الحقيقي ليس في رصيد البنك، بل في رصيد الحسنات. ما أجمل أن يكون للإنسان نصيب من الولائم التي تكرّم وجاهته، ونصيب أعظم من الصدقات التي تكرّمه عند الله. فموائد الدنيا تزول، لكن موائد الآخرة باقية، وهناك يلتقي المنفقون بثمار عطائهم، ويقف البخلاء أمام فراغ موائدهم.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود






