المحلية

الشيخ السبيل ابن البكرية .. ” رحلة من العطاء عنوانها التواضع وختامها على أعتاب المسجد الحرام “

مكة الإلكترونية – عبدالله الزهراني

[JUSTIFY]تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، وكان أحد رواد التعليم البارزين ذوي الأثر الطيب والتأثير الملموس لغزارة علمه وحسن أسلوبه وقدرته على إيصال المعلومة وبشاشته وسماحته، وارتبط اسمه بالحرم المكي الشريف، وتميز بصوته العذب في قراءة القرآن الكريم بأروقة المسجد الحرام إماما لملايين المسلمين طوال 40 عاما، إنه فضيلة الشيخ “محمد بن عبد الله السبيل” إمام الحرم المكي الشريف الذي رحل عن عالمنا يوم الإثنين الماضي الموافق 4- 2- 1434هـ بعد صراع مع المرض.

الإمام الراحل “محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز آل عثمان” الملقب بالسبيل ولد بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1345هـ، وتعلم في كتاتيب مدينته ثم حفظ القرآن الكريم وهو في سن الرابعة عشرة على يد والده ويد الشيخ “عبد الرحمن الكريديس”، كما قرأ التجويد على الشيخ سعدي ياسين (رحمه الله).
وأخذ العلم على يد مشاهير العلماء في البكيرية أمثال الشيخ محمد المقبل وأخيه الشيخ عبدالعزيز السبيل (يرحمهما الله)، ثم واصل العلم على يد الشيخ عبدالله بن محمد أحمد بن حميد حينما كان رئيساً للمحاكم في القصيم.

ودَرّسَ الإمام الراحل في وزارة المعارف والمعاهد العلمية ما يقارب عشرين عامًا, ونظراً لتفوقه في العلم عيّن مدرساً في أول مدرسة في محافظة البكيرية في 1367 هـ، ثم مدرساً في المعهد العلمي في مدينة بريدة في 1373هـ.
وقام بتدريس التوحيد والتفسير والفقه وأصوله والفرائض والنحو والبلاغة والعروض والقوافي في المدارس والمساجد، وفي عام 1385هـ عين رئيساً للمدرسين والمراقبين في رئاسة الإشراف الديني على المسجد الحرام، وإماماً وخطيباً في المسجد الحرام، وعين – رحمه الله – رئيساً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في 1411هـ حتى صدرت الموافقة السامية بإعفائه من منصبه في 1421 هـ بناءً على طلبه.

واستمر في الإمامة والخطابة نحو 44 عاماً ثم طلب الإعفاء في عام 1429 هـ من باب الورع وخشية التقصير، وفي عام 1413هـ انضم إلى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حتى عام 1427هـ, كما أصبح عضواً في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 1397هـ, وكان ورئيساً أو عضواً في عدد من الجمعيات الخيرية حتى وفاته رحمه الله.
وكان الشيخ يدرّس العديد من العلوم الشرعية والعربية بالمسجد الحرام منذ عين إمامًا فيه, وقد قام رحمه الله بجولات دعوية وإرشادية في كثير من دول العالم الإسلامي وغيرها بلغت مائة رحلة, زار خلالها أكثر من 50 دولة, وشارك في عدة مؤتمرات في الداخل والخارج، واشتهر كذلك من خلال مشاركته في برنامج الفتاوى” نور على الدرب” في إذاعة القرآن الكريم بالسعودية.

وقد نجا الإمام الراحل من محاولة القتل في حادثة اقتحام المسجد الحرام والتي قام بها جهيمان وأتباعه عام 1400 هـ، حيث كان الإمام الراتب لصلاة الفجر وكانت نهاية الصلاة هي ساعة الاقتحام للحرم.
وكان – رحمه الله- من رواد التعليم الأوائل ذوي الأثر الطيب والتأثير الملموس، وقد أحبه طلابه وكانوا يتنافسون إلى حضور دروسه دون كلل أو ملل وذلك لغزارة علمه وحسن أسلوبه وقدرته على إيصال المعلومة وبشاشته وسماحته، وتتلمذ على يديه العديد من طلاب العلم والعلماء منهم الشيخ “صالح الفوزان” عضو هيئة كبار العلماء والشيخ “عبد الرحمن الكلية” رئيس المحكمة العليا والشيخ “مقبل لابن هادي الوادعي” المحدث اليمني المعروف.
وللشيخ ثلاث زوجات أولاهن من عائلة (السديس) والثانية من عائلة (البليهد) والثالثة من عائلة (العمرو), كما أن له عدداً من الأبناء والبنات والأحفاد، ومن أبناءه الشيخ عمر السبيل إمام الحرم، والدكتور عبد العزيز وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقاً، ومستشار وزير التعليم السعودي حالياً، والدكتور عبد الملك عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وعبد الله وكيل وزارة البلدية والقروية لتصنيف المقاولين سابقاً نائب مدير عام المعهد العربي للإنماء المدن التابعة (لمنظمة المدن العربية) بالكويت.

ومن أشهر مؤلفاته: ديوان خطب “من منبر المسجد الحرام” و”رسالة في بيان حق الراعي والرعية” و”رسالة في حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد”، ورسالة في حد السرقة والخط المشير إلى الحجر الأسود ومدى مشروعيته، ودعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفتاوى ورسائل مختارة، ومن هدي المصطفى (شرح لعدد من الأحاديث النبوية) و”حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية” و”ديوان شعر” وغير ذلك.

من ناحيته رثى معالي الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام ، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل –رحمه الله- مؤكدا أنه في هذا الوقت الذي رزئت فيه أمتُنا الإسلامية بفقد عالم من علمائها ووفاةِ إمام من أئمتها، ألا وهو فضيلة الشيخ الوالد العلامة محمد بن عبد الله بن سبيل –عليه رحمة الله- إمام وخطيب المسجد الحرام، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو المجمع الفقهي، والرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي سابقًا، فإن المصيبة لفقده لاتحدّ والفجيعة لموته نازلة لا تنسى وفاجعة لا تمحى والخطب بفقده جلل والخسارة فادحة، فليست الرزية على الأمة بفقد جاه أو مال أو بموتِ شاة أو بعير كلا ثم كلا، ولكن الرزية أن يُفقد عالم يموت حين موته جم غفير وبشر كثير.

وقال فضيلته فى رثاء الراحل الكبير :” الحمد لله، النافذِ أمره، الغالب قهره، لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه سبحانه وبحمده جعل لكل أجل كتاباً وللمنايا آجالاً وأسباباً، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراجُ المنير نبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد ، فإن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والقدرة النافذة في كونه وخلقه وإن مما كتبه الله جلّ وعلا على خلقه الموت والفناء يقول سبحانه: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ~ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ[، ويقول –عز وجل-: ]وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ~ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) “.

وجاءت وفاة الشيخ “محمد السبيل” رحمه الله يوم الإثنين 3 صفر 1434 هـ الموافق 17 ديسمبر 2012م، بعد اعتلال أصابه في الصدر والرئتين, وأديت الصلاة على جثمانه عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام وحضر تشييع ومراسم الدفن عدد من المسؤولين والمشايخ وطلبة العلم، وتم نقل جثمانه إلى مقبرة العدل حيث ووري الثرى مع مفتي عام المملكة السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين رحمهم الله أجمعين.[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى