المقالات

الشباب والفراغ والجِدَة

إن الشباب عماد الوطن ومستقبله، بل المستقبل الواعد نفسه، والأمل القادم، والمجد المنشود، والعز المأمول. هم محط أنظار الأمة، ومعقد رجائها، ومناط تفاؤلها – بعد الله – إليهم ستؤول مقاليد الأمور، وعليهم ستقع أمانة قيادة وطنهم وأمتهم إلى مدارج الصدارة والرقي، وعلى أكتافهم تقع مسؤولية حماية الدين والوطن، وصيانة حدوده، والذود عن حياضه ومقدساته، والنهوض بمستوى مواطنيه الثقافي والفكري والحضاري والاقتصادي… وهم المسؤولون وحدهم عن نشر القيم الإسلامية السمحة، وما تضمنته من رحمة وعدل ومحبة وتعاون وقبول للآخر، حتى يعم الخير ويسود العدل أرجاء المعمورة؛ فبقدر ما يكون عليه شبابنا اليوم سنكون عليه غدًا.
• لذا كان لزامًا على الأسرة، والجهات المعنية بالتربية والتعليم، والتوجيه والتثقيف، والإرشاد والترفيه، على اختلاف مهامها وتنوع مواقعها، أن تؤدي أدوارها في العناية بالنشء تربويًا، وعلميًا، وثقافيًا، وصحيًا، بشكلٍ تكاملي، وتهيئ كل المتطلبات الكفيلة ببناء الشخصية الوطنية المسلمة المعتدلة المتوازنة ذات الطموح العالي، والوطنية الصادقة، والاعتقاد السليم، والانتماء الشديد للوطن وقادته وعلمائه، المتمسكة بالوسطية الواعية. قال تعالى:
﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.
وتحرص على تنمية قدراتهم، واكتشاف مواهبهم، وتوجيه رغباتهم، وتلبية حاجاتهم، وشحذ هممهم، وإذكاء أرواحهم، وصيانة عقولهم من الانحراف، وأبدانهم من العلل، وتجنبهم مخاطر الوقوع في فخ الفراغ القاتل، ومأزق الجِدَة المخيف. وهذا ما تؤكد خطورته ثورة الشباب وعنفوانه؛ وإذا لم نتنبه إلى ذلك، ونتعامل معه بوعي تام واهتمام بالغ، لربما يجر شبابنا إلى الإحباط والانحراف فكريًا، أو عقديًا، أو سلوكيًا، أو الارتماء في أحضان المخدرات وباعة الوهم وضلال الآفاق، مما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، ويحرم وطنهم من ثروته الحقيقية، ويجعلهم عالة على أهلهم ومجتمعهم، بل معول هدم وتخريب، ونموذج تخلف وانحراف، ونكون نحن كبراقش التي جنت على نفسها.
• فحتى لا يكون الأمر كذلك، وحتى نكون خير أمة أخرجت للناس، ونقدم الأنموذج الأفضل للحياة البشرية جمعاء، المتسم بالوعي والعدل، والمكتسي بالمحبة والرحمة، والداعي إلى خيري الدنيا والآخرة – وهو ما جاء به محمد ﷺ – علينا جميعًا، مؤسساتٍ ومجتمعًا وأفرادًا، أن نرعى شبابنا رعاية كاملة، ونربيهم تربية صالحة متوازنة، ونعتني بهم عناية شاملة، ونهيئ لهم الفرص المناسبة لتنمية ذواتهم وقدراتهم، واكتشاف مواهبهم، وإشباع رغباتهم، وتوجيهها نحو الأسلم والأقوم، ونغرس في أنفسهم القيم المستمدة من الكتاب والسنة، ونعزز في نفوسهم الثقة والفخر بلغتهم وتاريخهم المجيد، ونعمق في وجدانهم الانتماء الشديد لوطنهم وولاة أمرهم. وهذا كله حتى يكونوا على جانب كبير من الوعي والحصافة، وينموا على حب الوطن وقيادته، وحتى لا يتحقق قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدَة
مفسدةٌ للمرء أيَّ مفسدة

هذا، والله من وراء القصد.

• مدير عام التعليم بمنطقة مكة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى