المقالات

الإلمام بأوصاف الخمار والعمامة

يُعدّ الحديث في تضاعيف التراث والتعمّق في زواياه المختلفة من نفائس أدبيات علم الأنثروبولوجيا، حيث يوقفنا – من غير شك – على معرفة حقيقية بتراكماتٍ أكل عليها الدهر وشرب، وما مرّت به من تطوّر وتغيير وتبديل وتنقيح. وأحسب أن اللباس الخارجي للإنسان، أيًّا كان موقعه وتاريخه وانتماؤه، يخضع لعدة اعتبارات مختلفة، مثل: الدين، والزمان، والمكان، والمناخ، والعادات والتقاليد.

ويأتي غطاء الرأس من أهم ألوان الزيّ البشري عند سائر البشر، ونالت العمامة العربية موقع الصدارة في التراث العربي والإسلامي، ودخلت عليها تحسينات وإسقاطات تراثية كثيرة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التنوع في اللباس العربي المعاصر، مثل: البرنس المغربي، مرورًا بشاوش الطوارق، والعمامة السودانية، والطربوش المصري، وانتهاءً بالعمامة العربية المعاصرة الشائعة الانتشار في عرب الأحواز، والعراق، وسوريا، والأردن، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي.

ويمكن تقسيمها حسب ما توفّر من أوصاف، وما تستلزمه حياة العرب من نزول وارتحال وركوب، والتعرّض دومًا لهبوب الرياح وأشعة الشمس، لا سيما الذي يمتطي صهوة جواده، أو يسوق راحلته، أو يرعى أنعامه، أو يفلح في أرضه، أو يتزيّن في عرسه وأيام عيده، وأوقات أُنسه وحزنه.

وتُعرَف العمامة باختصار بما يُلفّ به الرأس، سواء كانت مُحنَّكة أو مُحاطة بالرأس أو هما معًا. ومن الخطأ تسمية العمامة المسدلة على الرأس دون عصابة أو عقال بـ«العمامة»، بل هي الخمار الذي يوضع تحت العمامة.

وفي أحاديث المسح على العمامة التي وردت عن النبي ﷺ بصيغ مختلفة، منها: المسح على الخفّين والعمامة، ومنها: أنه ﷺ مسح على الخفّين والخمار، ومنها ما ورد بصيغة الأمر: «امسحوا على الخفّين والخمار» (رواه مسلم وغيره)، مما يدل على أن الخمار هو لباس الرأس الثابت.

والسؤال هنا: ما هو الفرق بين العمامة والخمار؟

فإن الخمار ينصرف إلى قسمين، هما:

1- ما يلبسه الرجل على رأسه مُحنَّكًا وليس مُرسَلًا، وسُمّي خمارًا لأنه يُخمّر الرأس ويستره بوثاق التحنيك، أو يُثبّته بعمامة الرأس.

2- ما تلبسه المرأة وتستر به شعر رأسها، وما نراه من بعضهن من كشف الناصية فليس بخمار. والبعض منهن يضعنه على الرأس مُرسَلًا دون تثبيت، فتتعاهده لا ليستر الرأس، ولكن ليُقال متحجّبة، والحق أن حجاب المرأة المشدود على رأسها لا يكتمل إلا بالنقاب، وهو ما تغطّي به المرأة وجهها أمام الأجانب.

أما العقال فقد مرّ هو الآخر بتنقيحات وتجديد، حتى آل إلى ما نراه اليوم في المملكة ودول الخليج العربي، وعرب الأحواز، وعرب العراق، وبلاد الشام، وعرب شبه جزيرة سيناء. وقد حلّ محل العمامة العربية القديمة بخمارها.

ولم أجد في التراث العربي – حسب اطلاعي المتواضع – إطلاق الخمار المُرسَل على رأس الرجل دون تحنيك أو دون عمامة باسم «الخمار»، فيما يُسمّى اليوم في اللغة الدارجة «الغترة والشماغ». ولا تكتمل معالمه شكلًا ومضمونًا إلا بلباسين، هما: غطاء الرأس مُسدَلًا مشدودًا بعقال، وهو اللباس الشائع عند العرب في الجاهلية والإسلام، وما تلاحق من العصور إلى يومنا هذا، بغضّ النظر عمّا طرأ على مظهره دون جوهره من تغييرات وتنقيحات وتحسينات.

القصيدة:

هَاذِي العِمَامَةُ تَاجُ العُرْبِ كُلِّهِمُ

مِنَ اللِّبَاسِ وَمِنْ أَلْوَانِهَا الحُلَلِ

تَزْدَانُ حُسْنًا عَلَى الهَامَاتِ مَنْظَرُهَا

رَمْزُ الأصَالَةِ فِي الأنْحَاءِ وَالقُلَلِ

يَجْتَابُهَا العُرْبُ مِنْ أَعْلَى مَنَاسِبِهِمْ

يُزَيِّنُهَا الفَخْرُ بِالإِكْرَامِ وَالنُّبُلِ

تِلْكَ الأصَالَةُ تَبْغِي مَنْ يُنَاصِرُهَا

بِالجِدِّ وَالعِلْمِ وَالإِيمَانِ وَالفِعْلِ

فَحَاذِرُوا صِبْغَةَ الصَّفْرَاءِ مُعْجِبَةً

وَخَالِفُوا خُبْثَهَا بِالأَصْلِ وَالعُقَلِ

وَابْنُوا حَضَارَةَ مَجْدِ العُرْبِ قَاطِبَةً

خَلُّوا التَّعَنصُرَ لِلْجُهَّالِ وَالهُبَلِ

ملاحظة: الصفراء تشير إلى بنو الأصفر (الروم)

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى