
بحرص ووجل وترصّد لسن الأربعين بدأت بالبحث عنه .. !
أهو خريفٌ مهتريء يرمي بأوراقه الصفراء ليخفف الحمل الثقيل الذي ارهق كاهله؛ فتطير تلك الأوراق في الأفقِ البعيد دون أن تلتفت وراءها وترى جمال الكون ورونقه !
أم هو ذلك الشتاء القارس الذي يجمِّد كل شيء من حوله برياح عاتية عقيمة لا ترحم !
أم هي النظرة الجائرة للمجتمع الذي يبدأ برمي الكلمات المؤلمة على تلك المرأة التي قد تضع نفسها موضع المذنب بذنبٍ لم تقترفه سوى أنها بلغت سن الأربعين !
كثيراً ماتُرمى المرأة في هذه السن بالكثير من العبارات القاسية – حتى لو كانت من باب الدعابة – والتي قد تحطمها وتدخلها في صراعات نفسية عميقة قد تقودها إلى مراحل متقدمة من الإكتئاب وعزلة المجتمع ، وتظن أنها فعلاً قد بدأت بالإنحدار والسقوط في هاوية الشيخوخة كما يزعمون !
وفي المقابل أين الرجل من سن الأربعين ! نرى أن المجتمع كله يقف مصفقاً له كونه بلغ الأربعين، سن الرشد والعقل والنضج والرجولة .. ! فالرجل في مجتمعنا الشرقي لا يعيبه شيء ..
سأتطرق أولاً لبعض التساؤلات حول سن الأربعين :
_ هل تساءلنا يوماً لماذا خصَّ الله عز وجل سن الأربعين بذكره في كتابه دون باقي الأعمار؟
الأربعين هو السن الوحيد الذي ذكره الله عز وجل في كتابه وجعله سن العقل والنضج والكمال والرشد قال تعالى في سورة الأحقاف آية ١٥ {حتى إذا بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة قال ربي اوزعني أن اشكر نعمتك علي وعلى والديّ وأن اعمل صالحاً ترضاه} يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية ” ابن الأربعين لا يتغير غالباً عما يكون عليه، وفي الأربعين يتناهى العقل ويكمل الفهم والحلم وتقوى الحجة، وليس أدّل من ذلك من الأنبياء بعثوا إلى اقوامهم بالرسالة بعد بلوغهم الأربعين وقد بعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله”
_ هل تساءلنا يوماً .. لماذا بُعث غالب الأنبياء في سن الأربعين ولم يُبعثوا قبله ؟
لأنه السن الذي يكون فيه الإنسان قد حقق طموحاته في الحياة فيبدأ بعدها بنفع من حوله من الناس ..
بالرغم من تسمية هذه المرحلة “بأزمة منتصف العمر” إلا إنها تمثل مرحلة عمرية انتقالية ناضجة تتغير فيها نظرة الإنسان للحياة وللمواقف وللمجتمع .. فتلك المواقف التي كانت تثيره وتستفزه سابقاً هي بالنسبة له اليوم تصنَّف ضمن الأمور التافهة والغير مهمة، ستختلف كثيراً طريقة تفكيره وتحليله للأمور والمواقف والناس، يبدأ الإنسان في هذا العمر بالتمييز بين أنواع البشر والقدرة على سبْر أغوارهم وفهم شخصياتهم، ويكون أكثر حذراً في علاقاته وتعاملاته داخل محيطه الإجتماعي ..
هي مرحلة الحصاد.. فغالباً يكون الإنسان في هذا العمر قد انجز وحقق ولو جزء من طموحاته وأمآله التي رسمها لنفسه في بداية حياته، فيبدأ بقطف ثماره وانجازاته..
هي مرحلة ظهور الشيب والوقار الجميل الذي قد يزعج الإناث بشكل أكبر من الرجال، وتحدُث في هذه المرحلة تغييرات فسيولوجية مرتبطة بالجانب الجسدي وتغييرات سيكولوجية مرتبطة بالجانب النفسي لكلا الجنسين، الحديث عنها سيأخذ افاقاً شاسعة لا مجال للخوض فيها،
ولكنني سأتطرق في مقالي هذا إلى الجانب الذي يمس المرأة بشكل مباشر ..
تقول الأخصائية الإجتماعية ساندرا جبور ” إن السعادة الحقيقية للمرأة تأتي بعد سن الأربعين” وذكر الدكتور عادل اشور أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: بلوغ سن الأربعين للمرأة يُعد مرحلة جديدة لها حيث تصبح أكثر نضجاً عقلياً وفكرياً بما اكتسبته من تجارب حياتية؛ وتحاول الخروج من التقوقع في مشكلاتها الذاتية إلى مزيد من الإندماج في المجتمع والتفاعل معه بإيجابية مما يولِّد لديها الشعور بالرضا والإحساس بالسعادة.
إذاً فسن الأربعين هو ربيع العمر المُزهر الجميل، هو الإستقرار والراحة والهدوء من ضجيج الحياة، هو الحب والعطاء والإستمتاع بجمال الكون.
كلمة اهديها لكل أنثى وصلت لتلك المرحلة:
بلغتِ سن الأربعين وأنتِ بكامل صحتك وقوتك ..
بلغتِ سن الأربعين وأنتِ بقمة رونقك وبهائك ..
بلغتِ سن الأربعين وأنتِ أنثى مستقلة ذاتياً وفكرياً وعاطفياً لا تهزكِ كلمة ولا تستوقفِك عبارة .
“فأحِبي ذاتك ليُحبك من حولك فأنتِ من تزرعين الورد أمام بيتك ليستنشق عبيره كل من يمرّ بجانبه”






من وجهة نظري العبرة ليست بالعمر !!
ولكنها بالعقل و الفكر و النضج !!
يضل مقالا شيقا وفريدا من نوعه ….بعيدا عن المجاملات .