الثقافية

“الشعر ديوان العرب”

الشعر ديوان العرب*

 تلك مقولة ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في حقِّ الشعر الجاهليِّ. وقد كرَّرَها كثير من النقاد القدماء، وأكّدوا سلطتها بأقوالهم،ونجتزئ منها بقول محمد بن سلام الجُمَحي، في كتابه (طبقات فحول الشعراء)، حيث يقول:

“كان الشعرُ في الجاهلية ديوانَ علمهم، ومنتهى حُكمِهم، به يأخذون، وإليه يصيرون،

وبقول ابن قُتيبة، في كتابه (عيون الأخبار):

الشعرُ مَعْدِنُ علم العرب، وسِفر حكمتها، وديوانُ أخبارها، ومستودعُ أيامها. وبما جاء في كتاب (الصناعتين)، لأبي هلالٍ العسكريِّ، حيث يقول: “الشعر ديوانُالعرب، و خِزانةُ  حكمتها، ومستنبطُ آدابها، ومستودعُ علومها“. وآخرُ ما نستدلُّ به من أقوالهم على منزلته تلك، قول ابن فارس، في كتابه (الصاحبي): الشعرُ ديوانُ العرب، به حُفِظَتِ الأنساب، وعُرِفت المآثر، وتُعِلّمَتِ اللغة“.

   ومن المعلوم أن الشعر يُعَدُّ خلاصة صافية للتجارب الإنسانية، ومصدرًا لتدوين المعارف المختلفة. وتنطبق هذه الحالة على الشعر العربي؛ فنجد فيه من الحكمة والمعرفة ما يكفي لتثبيت هذه الفكرة، ولهذا كَثُرَ استخدام مصطلح «الشعر ديوان العرب» من قِبَل النُّقاد. وعُرِفَ لفظ ديوان عند العرب بدلالته المشتركة بين التحليل والتسجيل، وقد أحسّ النقاد العرب بالقيمة المعرفية للشعر العربي منذ وقت مبكر جدًا.

ولأنّ الشعر ديوان العرب التراثي، ومادة تاريخهم، وسِجِلّ حياتهم، تجد حرص العرب على حفظ أشعارها لتأخذ العبرة منها، وتُوثّقَ العلاقة بين حاضرها وماضيها، ولتكون مَعلَماً وهادياً للأجيال القادمة، يتعلمون منها الأخلاق والشرف.

 الشعر من مصادر الحكمة:

 عدَّ النقّاد الشعر العربي مصدرَ حكمةٍ وتربيةٍ وتهذيبٍ؛ إذْ كان الشاعر يُربّي قومه على الفضيلة، والأخلاق الحميدة، ويزجرهم في الوقت نفسه عن الأفعال الدنيئة؛ فيُقبِّحَ البخل ويُشجّع على السخاء والجود، ويُسَفِّه الجُبْنَ، ويشدو بالشجاعة…، فتشبّ النّفس على الفضيلة، وتسمو في مدارج الرفعة والخير. والشعراء في ذلك الوقت كانوا يقومون بدور الأساتذة والمُصلحين، يُرشدون الناس بشِعرهم إلى مكارم الأخلاق. وعليه، قال العلوي: «إنّ الشعراء يحُضون على الأفعال الجميلة، وينهونَ عن الخلائق الذميمة، فسنّوا سبيلَ المكارم لطلّابهم، ودلّوا بُناةَ المحامد على أبوابها»، ولارتباط الشعر بالحكمة، فإنَّ الشاعر الذي لا يأتي بالحكمة في شعره، ما كانَ يُعدُّ عندهم فحلًا.

 الشعر مفتاحٌ لفهم القرآن والسُّنة:

وبسبب هذه الغاية التعليمية نجد ابن عبّاس ــ رضي الله عنهما ــ يهتّم اهتمامًا بالغًا بالشعر، ويستمع إلى كلام الشعراء بكل جَديّة.ومضى كثير من النقاد العرب على آثاره يؤكّدون هذه الوظيفة التعليمية للشعر. فقد صرّح أبو زيد القرشي في مقدمة «الجَمْهَرةِ» أنّ من وظائف الشعر العربي اتّخاذ بعض الشواهد منه على معاني القرآن والحديث، وعليه، فإنّ الشعر شاهد وذريعة (وسيلة)إلى فهم الدين والسّنة. ولذا جعل علماء علوم القرآن والتفسير معرفة الشعر الجاهلي شرطاً أساسيّاً من شروط المفسر والمفتي.

الشعر قالب اللغة:

 أشار النقاد القدامى بوضوح إلى دور الشعر في حفظ اللغة وإثرائها؛ إذ إنه وعاء اللغة ومستودعُها، ولذا، فهو مادة أساسية في تعليم اللغة، وتنمية المَلَكة البلاغية، وتفصيح اللسان.

 الخلاصة:والشعرُ مصدرٌ للمعرفة، والفكر، والحكمة. كما أنه مصدرٌ أساسيٌّ لفهم الدين، القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. ومن الوظائف الهامة للشعر تهذيب النفوس وتربيتها، فيجعل البخيل كريماً، والجبان شجاعاً، وهو أفضل وسيلة لحفظ اللغة، وتفصيح اللسان، ومنه تُتَّخَذ الشّواهد والأمثال. فهو ليس فنًا للفن ذاته، ولا متعة لمجرّد المتعة، بل هو فن مُمتع ولذيذ، ولكن هذه المتعة تطوي في ثناياها غايات نفعية كثيرة تستمر في تنمية النوازع الكريمة.

                        __________

* كلمة هنا ديوان تعني كتاب أو سِجِل. وهنا يعني أنَّ الشعر العربي كان يُسجل كلَّ ما يتعلق بحياةِ العرب من عادات وتقاليد، وقِيم وتاريخ، وحروب….

https://mawdoo3.com/أهمية الشعر العربي

http://www.al-vefagh.com/News/184821.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى