المقالات

حب الوطن غريزة أم مشاعر؟

منذ أن خلق الله الإنسان في هذه الأرض لعمارتها واستخلفه فيها، فطره الله على طباع وغرائز تقوم بها حياته، وتصلح بها دنياه كالمأكل، والمشرب، والتكاثر، والحب للأرض والوطن ومكان المعيشة، وحتى المخلوقات الأخرى تتشارك مع الإنسان في هذه الغريزة فلا تقوم لها حياة، ولا يصلح لها شأن عند نقلها لغير مكانها أو زراعتها في غير أوطانها وتراها تتصارع وتتقاتل على الأرض، ولقد أعطى نبيًّا ﷺ مثالًا في حب الوطن لما نظر لمكة في آخر ساعات الهجرة، وفي كلمات وداع حزينة سجلتها السنة قال “والله إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” رغم ما فعل به أهلها إلا ان حب الوطن كان ظاهرًا في مقولته ﷺ، وأكد ذلك في بداية هجرته للمدينة ﷺ وإقامته فيها عندما أخبرته عائشة رضي الله عنها أن بلال يتأسى على فقد مكة قائلًا: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي اذخر وجليل/ وهل أرِدن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل فقال ﷺ: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد”، وفي بداية قصيدة مالك بن الريب صاحب المرثية المشهورة قال مفتتحًا ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً، بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا فمن يلومك يا مالك في توجدك على اوطانك !
وترانا مهما ابتعدنا عن أوطاننا، وأخذتنا الطائرات وابتعدت بنا المسافات لدول أوروبية وحضارات عالمية وقرى تكاد تكون قطع من الجنة من كثافة اشجارها واعتدال اجوائها إلا أن كل ذلك يتهاوى أمام الحنين للوطن، وحب هذه الصحراء وحرارة شمسها لا تشاركه أي بقعة أرض في العالم، ولو طرح هذا السؤال على المغتربين عن أوطانهم لامتزجت ردودهم بدموعهم ولكانت أقصى أمانيهم يوم في اوطانهم وبين أهاليهم، وكثير من أبناء هذا البلد لا يقبل حتى أن يخرج منه لا سياحةً، ولا حتى علاجًا ولا يملك جواز سفر حتى الآن.

حب هذا الوطن هو غريزة ومشاعر وفطره وشرف، تسعون عامًا عشناها تحت راية التوحيد لا أرانا الله فيها مكروهًا، مهبط الوحي، وبلد الحرمين قبلة المسلمين، وقبر أفضل النبيين، أدام الله بقاءها وعزها وقيادتها تنصرها، وتدافع عنها، وتتمسك برايتها، وتعلو بها للمجد والعلياء.

————————

استاذ الإعلان والاتصال التسويقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى