المقالات

علموا أبنائكم حب الوطن…

هي لنا دار …تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الأوطان ديار… وأن الوطن هو الأم… هو الحضن …. هو الأمان.
وكما كان والدي -رحمه الله- يعزز حب الوطن في قلوبنا، ويربطه بكمال الإيمان، كانت والدتي كذلك ومازالت -حفظها الله- لا تقبل أن تكون الوطنية شعاراتٍ فحسب، بل تعزز حب الوطن في ممارساتنا اليومية، وكنت إذا ذكرت أي حضارة أو أي دولة مما زرت بعين الفخر والانبهار تأبى عليَّ أمي وتنكر، فتردد أبيات الشاعر مصطفى صادق الرافعي حتى حفظتها:

بلادي هواها في لساني وفي دمي
يمجدها قلـبي ويدعو لها فـمي
ولا خـير فيمن لا يحب بلاده
ولا في حليف الحب إن لم يتيمِ

ولأن ذلك الشعور بالفخر ارتبط ارتباطًا قويًّا بأرضنا الغالية بلاد الحرمين الشريفين أغلى بلاد الدنيا وأجملها قاطبة، فإني اليوم أكرر ما زرعه والداي من حب لا حدود له لأغلى تراب وطأته أقدامي، بل لم يعد يبهرني ولا يجذب ناظري ويشبع روحي إلا أن أكون فوق تراب هذا الوطن، أتنفس هواءه، وأمتع نفسي بجماله الأخاذ.

وطـني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيل
ظمأ للسواد من عين شمسِ
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي

إن رواية وتعزيز الملحمة التاريخية التي سطرها الملك عبدالعزيز ورجاله في استرداد الرياض عام 1902م / 1319ه، ثم توحيد هذه البلاد المباركة في عام 1932م من الخليج العربي شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا، ومن شمال المملكة حيث المشروع الإستراتيجي (نيوم)، إلى جنوبها حيث الحد الجنوبي الذي يترجم الرجالُ على جباله ووديانه قيم حب الوطن والدفاع عنه، هذه الملحمة الممتدة من 91 عام هي معجزة حقيقية في العصر الحديث، فرواية هذه الملحمة التي لا تتكرر ولم تحدث على مر العصور واجبٌ وطني على المربين والآباء، فهي ملحمة نسج خيوطها إصرار مؤسس هذه البلاد المباركة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعزمه وحزمه وشجاعته، ببعد نظره وإخلاصه، ومن بعده أبناؤه؛ الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد ثم الملك فهد ثم الملك عبدالله رحمهم الله جميعا…ثم الملك سلمان حفظه الله، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، فمن الواجب الوطني إذن على الوالدين والمربين أن يذكروه، ويرووا فصوله لأبناء هذا الجيل، والأجيال القادمة.
لم يكن توحيد هذه البلاد المباركة، ثم بناء أركانها وقيادتها في ظل عواصف عالمية كبيرة، وحروب إقليمية، وثورات ضربت أكبر الدول من حولنا، بل ثباتها الذي أدهش العالم، لم يكن كل ذلك ليتحقق لولا توفيق الله عز وجل، ثم قيادة حكيمة تخطط لريادة عالمية، حيث أصبحت اليوم المملكة العربية السعودية واحدة من أهم دول العالم بأسره، ومن الدول العشرين فيه.
وما النجاح الذي حققته المملكة العربية السعودية اليوم في مواجهة أزمة كورونا طبيًّا واقتصاديًّا –الأزمة التي لم تنجُ منها أقوى دول العالم- إلا بتوفيق الله عز وجل، ثم ببعد نظر قادة هذه البلاد، الذين لم يألوا جهدًا في تقديم كل ما هو من مصلحة الشعب والمواطنين والمقيمين على أرضه. إن الإنجاز الكبير الذي تحقق في إدارة أزمة كورونا قد أذهل العالم بأسره وشهدت له المنظمات الدولية، وأصبحت قيادة المملكة العربية السعودية للأزمة مضرب المثل وحديث العالم والهيئات الصحية الدولية؛ للنجاح الباهر في التصدي لهذه الجائحة التي هزت العالم، وأدت الى انهيار تام للأنظمة الصحية في كبرى دول العالم. وقد احتلت المملكة العربية السعودية اليوم وبتنصيف مؤشر نيكاي المرتبة الثانية بعد الصين في التعافي من جائحة كورونا.
هذا النجاح لم يأتِ صدفة، بل هو امتداد لنجاحات سابقة كثيرة في تجاوز الأزمات وإدارتها، سواء على المستوى الصحي أو السياسي.
كل هذه الحقائق وغيرها يجب أن تكون حاضرةً في ذهن جيل اليوم، ويجب أن يعزز المربون والوالدان لدى الأبناء الحسَّ الوطني لاستيعاب مهمتهم المستقبلية في الرقي إلى مستوى تطلعات قيادة البلاد التي تعول على المواطنين المضي قدمًا في تحقيق مراتب أعلى على مستوى العالم في كل الأصعدة؛ في التعليم والصحة والاقتصاد وكافة المجالات.
كما يجب ألا تمر هذه المناسبة العظيمة في ذكرى توحيد البلاد دون أن يكون هناك تعزيز وتوثيق للجهود التي يبذلها جنودنا البواسل على الحدود في الذود عن هذه الأرض المباركة. إن الشرف الكبير الذي يحظى به جنودنا على الحدود لا يضاهيه أي شرف؛ فهم يدافعون عن أرض عظيمة مباركة تحتضن قبلة المليار ونصف مسلم يتوجهون لها خمس مرات في اليوم والليلة، فهذه الأرض التي دعا لها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام “وارزق أهله من الثمرات”، ثم هي مهبط الوحي ومرقد خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك الشرف هو شرف عظيم وأجر كبير، حيث يقفون على حدودها مدافعين عنها في وجه كل معتد أثيم:

وليس من الأوطان من لم يكن لها
فداء وإن أمسى إليهن ينتـمي

ولأن الأوطان كالأشخاص يكون لها من الحاسدين والمثبطين، فينبغي على الوالدين والمربين حماية الجيل من الغزو والارهاب الفكري، وتحصينهم بتذكيرهم بحق هذه الأرض المباركة عليهم، هذه البلاد التي منحتهم ولازالت تمنحهم الكثير، وهو أمر متوقع منهم، فكيف إن كانت هذه البلاد هي المملكة العربية السعودية، وقد قال شاعر هذا الوطن وأحد أبنائه الذين تغنون به الشاعر أحمد باعطب:

الناس حساد المكان العالي
يرمونه بدسائس الأعمالِ
ولأنت يا وطنـي العظيم منارةٌ
في راحتيك حضارة الأجيالِ
لا ينتـمي لك من يخون ولاء
إن الولاءَ شهادة الأبطالِ
يا قبلة التاريخ يا بلد الهدى
أقسمت أنك مضرب الأمثالِ

ولأن هذه الأرض هي حضن كبير لكل من عاش على ترابها، فكل منصف ممن ولد وتربى على أرضها يدين لها بالفضل، ويعتز بأنه ممن ولد وعاش على أرضها، فكم من مغترب أتى إليها باحثًا عن الأمان، أو عن فرصة للعيش الكريم من إخواننا المقيمين من الدول العربية والإسلامية، أو من دول العالم قاطبة يحتفل معنا اليوم فيشاركنا أهازيج وطنية، كما يشاركنا الدعاء للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا بالخير ودوام الأمن والأمان.
وكما غرس والداي في نفسي حبًّا عظيمًا واعتزازًا كبيرًا لبلادي العظيمة، فإن الواجب الوطني يحتِّم على الوالدين والمربين غرس قيم المواطنة الصالحة، وتعزيز حب هذه الأرض لدى الأبناء، وألا يملُّوا من رواية ملحمة توحيد أرضها على يد المغفور له المؤسس الملك عدالعزيز وأبنائه من بعده، وصولا إلى هذا العهد الميمون، عهد الحزم والعزم في ظل سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، والتأكيد على هويتها الإسلامية والعربية والتاريخية، وعمارتها للحرمين الشريفين، وهو شرف عظيم تصدرت له منذ تأسيسها حتى اليوم.
إن أقل ما نقدمه لهذه البلاد المباركة هو الحب والاحترام والدعاء لقادة البلاد الذين يسيرون بنا نحو المعالي، حتى وصلت المملكة العربية السعودية للصفوف الأولى على مستوى دول العالم في كل الأصعدة… فهي لنا دار، أدام الله عزها ومجدها ورفعتها إلى يوم الدين.

——————————-

عضو هيئة التدريس في جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك. مقال رائع يضع نصب أعيننا حقيقة عن وطننا الغالي وكيف يجب أن نرد جميل صنائع هذا الوطن المعطاء وعن واجبنا في الذود عنه وصد كل ما يمكن ان يدس في عقول ابنائنا عنه حباً وتقديراً ودامت لنا السعوديه دار وقرار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى