تحقيقات وتقارير

خبراء القانون يطرحون عبر صحيفة مكة “حلول تعز العدالة، وتفض التنازع القضائي الوظيفي”

يحدث أحيانًا تنازع بين المحاكم، والهيئات القضائية بشأن الاختصاص القضائي الولائي، وقد يترتب على ذلك صدور حكمين متناقضين بشأن الدعوى نفسها، وقد تُقرر كلتا الجهتين عدم اختصاصها بنظر الدعوى، والفصل فيها؟! وفي هذا التحقيق نستمع لآراء خبراء القانون، ونعرف منهم الأسباب والحلول المقترحة التي يمكن أن تحسم هذا التنازع في الاختصاص القضائي فإلى التحقيق:ـ

يؤدي لنتائج سلبية على الدعاوى؟!

يؤكد أحمد بن يحيى الموجان، محامٍ ومستشار قانوني، على أن نظرية الاختصاص القضائي من النظريات المهمة في الواقع العملي القضائي، وهذا التنوع معمول به في الأنظمة القضائية، ومنها النظام القضائي السعودي، وبالرغم من وجود هذا التنوع في اختصاص المحاكم، واستقلال كل جهة إلا أننا نجد في الواقع العملي وجود تنازع بين المحاكم، وهذا بدوره يؤدي إلى نتائج سلبية على الدعاوى، ويرجع الموجان هذا التنازع إلى بعض الأسباب ومنها:

  • طرح الدعوى الواحدة أمام جهتي قضاء (كطرح دعوى أمام القضاء العادي والقضاء الإداري).
  • اختصاص بعض المحاكم بشق في الدعوى، واختصاص محكمة أخرى بشق آخر من الدعوى، وقبول إحدى المحاكم الدعوى بدون توجيه المتهمين لرفع الدعوى في الشق الآخر أمام المحكمة المختصة؛ مما يؤدي إلى ضياع الوقت والجهد.

3-رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة؛ فتنظر الدعوى وتسير في إجراءات الدعوى، بدون الدفع بعدم الاختصاص؛ وهذا من أسباب إضاعة الوقت حتى تفصل بعدم الاختصاص.

4-إذا كان الحكم متوقفًا على إصدار حكم من جهة أخرى، ولم يتم الفصل فيه؛ بسبب تعدد جهات الاختصاص النوعي مما يؤدي إلى تأخر الفصل في الحكم.

5-تعارض بعض المواد في توزيع الاختصاص؛ بسبب ما يرد على بعض المواد من استثناءات.

6-عدم وجود تشريع لبعض الدعاوى، كدعاوى التعويض المعنوي.

7-التوسع في توزيع الاختصاص النوعي؛ مما يؤدي إلى التشابه في الاختصاص.

 الاستثناء يفتح بابًا للتنازع؟

يقترح الموجان بعض الإجراءات لمنع حدوث التنازع بين الجهات القضائية, وفي مقدمتها علاج الأسباب المؤدية لها، إضافة إلى إصدار تشريعات لسد النقص في دعاوى بعض القضايا، وتحديد الاختصاص بشكل دقيق، وواضح، وبالأخص عند ورود استثناءات على الاختصاص، ودراسة الدعوى دراسة متأنية من الجهة القضائية المرفوع أمامها الدعوى قبل البدء في إجراءات الدعوى؛ حتى تحدد هل الدعوى من اختصاصها، أم تصدر حكمًا بصفة مستعجلة.

إشكالية تبحث عن حلول!

ومن جانبه يرى الدكتور محمد بن أحمد المقصودي ـ أستاذ القانون الجنائي الدولي ومحكم دولي معتمد ـ أن مشكلة تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية المختصة بالفصل في النزاعات، من المسائل الشائكة والمطروحة لدى كافة الدول التي تعتمد نظام ازدواجية القضاء، ومن تلك الدول المملكة العربية السعودية؛ حيث تُنظر النزاعات فيها أمام ثلاث جهات قضائية مختلفة ومستقلة (جهة القضاء الإداري، وجهة القضاء العام، وجهة اللجان القضائية)؛ حيث تبنّت المملكة نظام القضاء المزدوج أو مبدأ تعدد جهات التقاضي كما يسميه بعض فقهاء القانون.

المحكمة أفضل من اللجان

ويؤكد المقصودي على أن للاختصاص القضائي عدة أنواع إلا أن ما نُسلّط الضوء عليه هنا هو الاختصاص القضائي الولائي، والذي يسميه جانب من الفقهاء بـ “الوظيفي”، وقد نشأت لدينا إشكالية التنازع في الاختصاص القضائي كنتيجة حتمية لتعدد جهات التقاضي التي يلجأ إليها الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون للفصل في النزاعات القائمة بينهم، وقد عهدت المملكة العربية السعودية بصفتها تبنّت ازدواجية القضاء إلى لجان محددة مهمة فض التنازع في الاختصاص القضائي أهمها:

١- لجنة الفصل في تنازع الاختصاص بالمجلس الأعلى للقضاء.

٢- لجنة الفصل في تنازع الاختصاص بديوان المظالم.

ويطالب المقصودي بمحكمة مختصة للفصل في تنازع الاختصاص بديلًا عن اللجان كما هو الحال في القانون المقارن باعتبار أن ذلك ضمانة للحيادية والاستقلال.

يؤثر على هيبة القضاء !

ويؤكد الدكتور نايف بن حابس الظفيري، المحامي والمستشار القانوني، على أن التنازع القضائي أمر نادر الحدوث، وتكمن خطورته في مساسه بتكوين القضاء في الدولة، وخلق حالة من التجاذب بين المحاكم المختلفة بحيث يظهرها بمظهر الاختلاف، والتنازع مما يؤثر على هيبة القضاء في الدولة، وينتقص من العدالة وتبقى الحقيقة أن لكل نزاع قاض ينظره ! مشيرًا إلى أن المواد من 27-30 من نظام القضاء نصَّت على طريقة الفصل في التنازع القضائي، وهو نوعان، تنازع إيجابي بأن تدعي محكمتان مختلفتان اختصاصهما بنفس النزاع، أو إذا صدر في قضية واحدة حكمان متعارضان من محكمتين مختلفتين، وتنازع سلبي بأن تتخلى كلتا الجهتين عن الاختصاص.

كثرة القضايا واستغلال البعض!

ويذكر الشيخ حافظ بن علي الفيفي، مستشار قانوني، على أن للتنازع بشكليه (الإيجابي والسلبي) أسبابًا عديدة لعل من أبرزها: كثرة القضايا وتنوعها مع محدودية عدد القضاة مما يجعل العبء جسيمًا عليهم، الأمر الذي يجعل التركيز ينصب على الكم أكثر من الكيف، فإذا أضفنا لذلك ضعف الثقافة القانونية لدى كثير من المتداعين، واستغلال البعض الآخر لذلك الضعف لإطالة أمد القضايا، وعدم إثارة أمر الاختصاص إلا في مرحلة متأخرة أو عدم إثارته أصلًا.

النظر في الاختصاص أولًا؟!

ويرى الفيفي أن الحل الأمثل يتم من خلال زيادة التعيين في السلك القضائي؛ ليكون هناك تناسب بين أعداد القضاة والمنازعات، وأن يتم تدريب القضاة وتأهيلهم التأهيل الكافي من الناحيتين الشرعية والقانونية، ثم التأكيد على الجهات القضائية بالنظر في الاختصاص والفصل فيه بأولى الجلسات القضائية، ويمكن مع زيادة عدد القضاة أن يتم تشكيل لجان بالمحاكم لفرز القضايا ابتداء، والتأكد من ولاية المحكمة عليها قبل إحالتها للقاضي لنظرها، والفصل فيها؛ إضافة إلى المعالجات القائمة حاليًا بنظامي القضاء ونظام ديوان المظالم.

توظيف التقنيات الحديثة

ويطالب الفيفي بالاستفادة من التقية الحديثة في حصر المواضيع التي يكثر فيها التنازع، وما استقر عليه الأمر فيها بالمحكمة العليا لتكون نبراسًا يُهتدى به، مضيفًا ولا أشك في أن القائمين على الجهاز العدلي حريصون على معالجة هذا الأمر، وإيجاد الحلول الناجعة له؛ مستفيدين من التجارب الدولية بهذا الشأن؛ إذ تنازع الاختصاص القضائي في أمر عمّ بلاؤه في كثير من الدول، ولكل دولة رؤيتها في المعالجة مما يُحتّم علينا الاستفادة منها، واختيار الأنسب والأنجع.

 إشراك القطاع الخاص

 ويشير حسام بن أحمد القرني ـ محامٍ مرخص من وزارة العدل ـ إلى أن (78) من نظام المرافعات الشرعية، ولوائحه التنفيذية تخول رئيس لرئيس المحكمة بالفصل في التنازع بين دائرتين في محكمة واحدة، موصيًا بالاستعانة بالقطاع الخاص: كالمحامين الذين يحصلون على دورات في الاختصاص القضائي، ويمكن الاستعانة كذلك بهيئة المحامين وما تملكه من كوادر وإعطائهم صلاحيات بعد تأهيلهم قانونيًا لتوجيه المستفيدين إلى الحهات المختصة للفصل في نزاعاتهم، ويكون لتوصياتهم اعتبار لدى الجهات القضائية وشبهة القضائية.

المصافي تبحث عن الاختصاص منذ 2005 ؟!

 وتقول الدكتورة نجلاء عبدالرحمن الحقيل، أستاذ القانون المساعد : مواضيع التنازع القضائي من ضمن المواضيع الشائكة التي تناقش باستمرار في كافة دول العالم؛ خاصة في الدول التي تأخذ بطابع القضاء المزدوج؛ خاصة إذا كانت الدولة تُعاني من ضعف في تحديد اختصاصات كل قضاء، وتفنيد الدوائر القضائية التابعة للمحاكم المختلفة.

وتطرح “الحقيل” سؤالًا لطالما أثار حيرة أهل العدالة وهو لماذا يحدث التنازع القضائي؟ وتستطرد قائلةً: من أهم أسباب حدوث التنازع القضائي هو عدم تكييف النزاع تكييفًا قانونيًا صحيحًا. مما يؤدي إلى التنازع الايجابي أو السلبي. كذلك، عدم وضوح اختصاصات الجهات القضائية في مواضيع القضايا. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هي قضية شركة المصافي مع شركة المجموعة السعودية للاستثمار في عام ٢٠٠٥، والتي قضت بخمس سنوات في ديوان المظالم، وفي النهاية حكم الديوان بعدم الاختصاص، وبعدها تم رفعها أمام لجنة الأوراق المالية والتي بدورها دفعت بعدم الاختصاص؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى