المقالات

الدافع الحاجز

في حديث ودّي جمعني بأحد الأصدقاء الملهمين، إجتوانا الحديث عن فكرة صناعة المحتوى وتأثير التسويق الشخصي على مدى الانتشار والتوسع، فسألني حول ما أكتب من المقالات ومدى انتشارها؟
سألته: هل ما تقصده أن ذلك مما يحفز المبدع على الاستمرار؟
أجاب بحماسة: نعم، واستطرد يحكي تجربة خاضها في تقديم محتوى في تخصصه -يستهدف شريحة معينة-، لم يكتب له الانتشار – الذي توقعه-، فانعكس ذلك على رغبته التي ذبلت لتنتهي بتوقفه عن بذل المزيد من جهد سيعد مهدورًا-حسب وجهة نظره-.
بناء على ذلك -في نظره أيضًا- فإن المبدعين يستمدون الكثير من الدعم عند تحقيق تطلعاتهم تجاه الشهرة، يعد ذلك علامة فارقة في التحفيز للاستمرار من عدمه بالنسبة إليهم..
استقرت تلك الفكرة في خاطري بعد أن قاطعتنا الظروف، مرت تلك النماذج التي ذكرها حول صانع محتوى يتابعه الملايين، و آخر يتزايد المتابعون من حوله ولكن بشكل لا يرضي تطلعاته، حتى حادثني في حسابي بتويتر أحد المهتمين بالتسويق؛ بدا واثقًا بينما يعرض المساعدة في نشر ما أكتبه بمقابل بسيط حقًا مقابل تقديمي لشريحة أكبر -حسب وجهة نظره مرة أخرى-.. بدا الوقت مناسبًا حينها للتساؤل حول ما يحملني على الكتابة أو يحفزني عليها؟ استطلعت حالتي بينما أعبر من خلال أنفاق ودهاليز عادة أنها لا تستفز ولا تلهم أصدقاء آخرين لكنها تفعل فعلها في خاطري؛ فأشعر بعدها كأنما أريد التخلص من حاجتي للتعبير لتكون الكتابة وسيلتي، مع يقيني أن مدى التوسع والانتشار هو أمر لا يمكنني قياسه، فعلى سبيل المثال: هناك اليوم كثير من المؤلفات التي عاش كتابها حياة المعدمين، وربما كانت حياة ما كتبوا أكثر طولاً من حياتهم، فلم أظن أن بإمكاني التنبؤ بوجهة الرسالة في زجاجتي وكل ما أملكه من معلومات حولها أني بعثتها مع الموجة التالية؟ ثم لم يهمّ أن يحصل المبدع أو صانع المحتوى على مكتسبات تفوق ما يناله من شعور الإنجاز؟ ثم؛ هل حين ينصرف المبدعون إلى آليات التسويق بدلاً من جودة ما ينتجون سينقص من ذلك مدى أفقهم الإبداعي؟ هل ستنحصر المعطيات في الممكنات لا في المخيّلة التي تسمو عن الحاجات؟
لربما يحتاج الإنتاج المعرفي والثقافي والإبداعي إلى جهد يتكامل فيه المبدع مع وسائل أخرى، يمكن أن تكون: “المسوق” أو “الوسيلة” أو “الظروف المناسبة” أو “التكاليف المبررة” وغيرها.
بتّ أشعر أن موقعي كجزء من هذه المنظومة؛ يملي عليّ أن أتوسع في استيعاب جوانب كثيرة لم أتصورها مسبقًا، بدت مشوقة، محفزة وواعدة، وربما ليست من مراحل الإبداع بقدر ما هي من متطلباته، لم؟ لأن الفرق بين ما كتبته في سنين الدراسة وطوته الدفاتر كان لا يعدو كونه حالة مزاجية وحيلة تنفسيّة، فما المانع أن يقدّم هذا النص باعتباره قيمة جمالية أو أدبية؟ كم هي النصوص التي قرأتها فتمايلت طربًا لجمال ما تصفه ودقة ما تعبر به عنّي؟ كم سيكون جميلاً أن تنال الحروف رضا من أهمهم؛ لأجد سلواني في تقبلهم لمزاجية التعبير وكرِّها وفرّها باعتبار ما أثمر عنها؟
يبدو أن هناك الكثير من الآفاق التي تعوض عناء الكتابة، ليست محركًا أساسيّا؛ لكنها علامة فارقة لمن يمكنه التغاضي عن مدى تشويشها، يملك القدرة على التماهي فوق ما تخلقه من إجابات أو تلبيه من حاجات، أستحضر دائمًا أن رحلة الحياة هي متوازية مع غاية الإبداع، كلاهما له محطات لا تغني عن مواصلة العطاء.
ختامًا: لربما كان انعكاس العطاء الإبداعي محفزًا لمن يحسن استقباله وصياغته في داخله، يصفيه من كدر الأسلوب والفهم الخاطئ ويعرف طرق استثماره، وهو في عيون آخرين: محبطٌ عن مواصلة العطاء، الآخرين.. الذي لا يدركون أن تكرار المحاولة ولكن بطرق مختلفة هو ما يزيد فرص النجاح ويقوي لين من لا ينكسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى