المقالات

القمة السعودية – الأمريكية وقمة جدة للأمن والتنمية: شراكات استراتيجية لتحقيق الأمن والاستقرار

يومًا بعد يوم، تُثبت المواقف أنّ المملكة العربية السعودية هي قلب الأمّة النابض، ومركز ثقل وتوازن في منطقة الشرق الأوسط، ودولة صانعة للقرارات المؤثِّرة على مستوى العالم ككل، وأنها صاحبة مبادرات فعّالة ورأي راجح وسديد وقول فصل في كثير من القرارات المصيرية، وحضور مهم ومؤثِّر وفعّال في المشهد السياسي والاقتصادي وغيرها، وصاحبة رؤى ووجهات نظر ثاقبة وبعيدة المدى، في مختلف القضايا الإقليمية والعالمية، كما تتميز بسياسات دولية متوازنة، وأدوار راسخة وحيوية فاعلة – على الصعيدين الإقليمي والدولي -، ذلك لكونها ركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك ضمن إطار العلاقات التاريخية والاستراتيجية والأخوية الراسخة التي تربطها بدول العالم، وأواصر الود والتقدير والاحترام التي تجمعها بشعوبها، والتي تعكس الإرادة السياسية المشتركة ووحدة الهدف والمصير. ولما تبذله من مساعي مخلصة ودائمة للالتزام بالعهود والمواثيق نحو إحلال الأمن والسلام والاستقرار والازدهار، وتعميق الترابط والتعاون والتكامل بينها وبين كل الدول الشقيقة والحليفة والصديقة، ولأدوارها المحورية في السياسات الدولية، وسعيها الدؤوب لترسيخ دعائم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم أجمع، الأمر الذي عزّز من مكانة المملكة ومنزلتها بين دول العالم كله، وأكسبها احترام وتقدير مختلف دول العالم، وجعلها محط اهتمامها.
القمة السعودية – الأمريكية المشتركة، التي عُقدت خلال زيارة فخامة الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” الرسمية إلى المملكة التي تمّت مؤخرًا، تندرج ضمن إطار هذه الجهود، وتكتسب أهميتها لكونها تُعدُّ الأولى من نوعها منذ تولي “بايدن” الرئاسة الأمريكية، وهدفت للتأكيد على العلاقة الاستراتيجية التاريخية التي تربط المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى أهمية تعزيز الشراكة بين البلدين بما يخدم مصالحهما، ويحقق أمن واستقرار المنطقة والعالم، ولتؤدي لتحديد مسار العلاقات العربية الأمريكية خلال الفترة المقبلة، ولا سيما وأنها ستؤسس لشراكة عربية أمريكية في ظل ما يشهده العالم من أوضاع راهنة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي الذي يشهد حالة من التباطؤ في النمو، نتيجة هذه الأزمة على حسب آراء الخبراء، كما هدفت لبحث أوجه التعاون المشترك، ومناقشة سبل مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، كما تأتي ضمن جهود تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين البلدين الصديقين خلال العقود القادمة، باعتبارها حجر الزاوية للأمن الإقليمي على مدى العقود الماضية، وتأكيد الرغبة المشتركة في تطويرها في مختلف المجالات، وبحث سبل تعزيز مصالحهما ورؤيتهما المشتركة نحو شرق أوسط يسوده الاستقرار والازدهار والأمن والسلام.
بعد اللقاء الذي جمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – رعاه الله – بفخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا رسميًا مع فخامة الرئيس بايدن بحضور كبار المسؤولين من الجانبين. وقد استعرض القائدان على نحو مفصل، الأولويات المشتركة التي من شأنها أن تُسهم في تعزيز الشراكة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث رحّب الجانب الأمريكي برؤية السعودية 2030، والتي تمثل خطة المملكة الاستراتيجية للتحول الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية، وبجهود المملكة في زيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة، وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان. كما رحبت المملكة بزيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في المملكة، وكذلك زيادة الاستثمارات السعودية في القطاع الخاص الأمريكي بما يحقق مصالح البلدين. كما رحب الجانب الأمريكي بترشح المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو العالمي في عام 2030، وغيرها من الأحداث التي ستُعقد خلال عام 2030م، وهو العام المهم الذي سيأتي تتويجًا للبرنامج الإصلاحي لرؤية المملكة 2030. كما تمّ توقيع نحو 18 اتفاقية ومذكرات تعاون في مجالات: (الفضاء، والاستثمار، والطاقة، والاتصالات، والصحة)، وغيرها بين الجانبين السعودي والأمريكي، وهذه الاتفاقيات تأتي في ضوء ما توفره رؤية السعودية 2030، من فرص واسعة للاستثمار في القطاعات الواعدة، وبما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين. منها 13 اتفاقية وقعتها وزارة الطاقة، ووزارة الاستثمار، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وعدد من شركات القطاع الخاص، مع مجموعة من الشركات الأمريكية الرائدة، مثل شركة بوينج لصناعة الطيران، وريثيون للصناعات الدفاعية، وشركة ميدترونيك، وشركة ديجيتال دايجنوستيكس، وشركة إيكفيا في قطاع الرعاية الصحية، وعدد آخر من الشركات الأمريكية المتخصصة في مجالات الطاقة والسياحة والتعليم والتصنيع والمنسوجات. كما وقعت الهيئة السعودية للفضاء مع وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، اتفاقية “أرتميس” لاستكشاف القمر والمريخ مع وكالة “ناسا”، للانضمام للتحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية. ووقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، مذكرة تعاون مع شركة “IBM” الرائدة في مجال التقنية الرقمية، وذلك لتأهيل 100 ألف شاب وفتاة على مدى خمس سنوات ضمن ثماني مبادرات مبتكرة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة مركزًا محوريًا للتقنية والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما وقعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع الإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات الأمريكية “NTIA”، تتضمن تعاون البلدين في مجالات تقنيات الجيل الخامس والجيل السادس، وذلك بهدف تسريع نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز وتيرة البحث والتطوير والابتكار في المنظومة الرقمية بالمملكة. ووقع البلدان، اتفاقية شراكة في مجالات الطاقة النظيفة، تتضمن تحديد مجالات ومشروعات التعاون في هذا المجال، وتعزيز جهود البلدين في نشر الطاقة النظيفة والعمل المناخي بما في ذلك التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. كما وقعت وزارتا الصحة السعودية والأمريكية مذكرة تعاون مشترك في مجالات الصحة العامة، والعلوم الطبية والبحوث، تهدف إلى دعم وتعزيز العلاقات القائمة في مجالات الصحة العامة بين الأفراد والمنظمات والمؤسسات، وتوحيد الجهود لمواجهة قضايا الصحة العامة والتحديات الطبية والعلمية والبحثية، وتبادل المعلومات والخبراء والأكاديميين، إضافة إلى التدريب المشترك للعاملين في المجالات الصحية والطبية، والتطبيق السليم لنظم المعلومات الصحية، والبحث والتطوير والابتكار الصحي.
وفي مجال التقنية الأمن السيبراني واستكشاف الفضاء، رحب الجانبان بتوقيع مذكرة تعاون جديدة تربط شركات التكنولوجيا في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لتعزيز تطبيق تقنية الجيل الخامس (G5) باستخدام شبكات الراديو المفتوحة، وتمكين تطوير الجيل السادس (G6) عبر تقنيات مشابهة، وتعزيز الشراكة في مجال البنية التحتية السحابية والتقنيات ذات الصلة. إن الشراكة في إطار مذكرة التفاهم تؤكد موقع المملكة القيادي كحاضنة إقليمية لتطبيق تقنيات الجيل الخامس (G5)، والتطورات المستقبلية لتقنيات الجيل السادس (G6). وفي مجال “الأمن السيبراني”، أكد الجانبان على أهمية التعاون المشترك في مجال الأمن السيبراني في حماية المصالح الأساسية لكلا البلدين وأمنهما الوطني. ورحب الجانبان بتوقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين مؤخرًا متعلقة بالتعاون في مجال الأمن السيبراني، كما قرر الجانبان استمرار تعزيز التبادل الفوري للمعلومات، وبناء القدرات البشرية والفنية، وتطوير صناعات الأمن السيبراني. كما رحب الجانبان بتعزيز التعاون في جميع مجالات استكشاف الفضاء، بما فيها رحلات رواد الفضاء، ورصد كوكب الأرض، والتطوير التجاري وفي مجال الأنظمة والإجراءات، والسلوك المسؤول في الفضاء الخارجي. وقد رحب الرئيس بايدن بتوقيع المملكة العربية السعودية على اتفاقيات أرتيمس، وأشاد بتأكيد المملكة على التزامها بالاستكشاف المسؤول والسلمي والمستدام للفضاء. كما ناقش الجانبان عددًا من القضايا الإقليمية والدولية، شملت كل من: (اليمن، والعراق، والقضية الفلسطينية، وسوريا، ولبنان، وأوكرانيا، والسودان، وليبيا، وأفغانستان، ومكافحة الإرهاب). وقرّر الجانبان توسيع وتعزيز التعاون الثنائي في جميع المجالات التي نوقشت في هذا الاجتماع، وذلك قبل الحوار الاستراتيجي السنوي المقبل بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والذي سيعقد في المملكة في وقت لاحق من هذا العام. يشكل “بيان جدة” أساسًا للعمل والمضي قدمًا لتوطيد وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
كما تضمّن جدول زيارة الرئيس الأمريكي، حضور قمة جدة للأمن والتنمية، التي دعا إليها مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – أيده الله -، أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وصاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وفخامة رئيس جمهورية مصر العربية، ودولة رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق، والتي بدورها مثّلت فرصة مناسبة لترسيخ علاقات الشراكة الاستراتيجية الوثيقة بين هذه الدول والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل فتح آفاق جديدة للتعاون المشترك في مختلف المجالات الحيوية، وتأكيد أهمية تطوير سبل التعاون والتكامل فيما بينهم، وبناء مشاريع مشتركة تُسهم في تحقيق تنمية مُستدامة في المنطقة، والتصدي الجماعي للتحديات البيئية، ومواجهة التغير المناخي، بما في ذلك مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتان أعلن عنهما سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وتطوير مصادر متجددة للطاقة، والإشادة باتفاقيات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون والعراق، وتعزيز المسارات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، ومواجهة التحدّيات المُحدقة بالمنطقة، وتأكيد الجهود المشتركة لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي والدفاع عن المصالح العالمية، وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة للسلام والنماء والازدهار، والتي من جهتها تُعدُّ تأكيدًا لدور المملكة الريادي، وثقلها ومكانتها العربية والإسلامية والدولية، واستشعارًا لثقلها الاقتصادي العالمي، وانطلاقًا من مسؤوليتها الإقليمية والدولية المترتبة على ذلك، ودورها المحوري في أمن واستقرار المنطقة.
وكان الرئيس الأمريكي “بايدن” قد كتب مقالًا قبل زيارته إلى السعودية، قال فيه: “اليوم، ساعدت السعودية في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، ودعمت الهدنة في اليمن بشكل كامل، ونعمل الآن للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي (أوبك) الآخرين”. وأضاف: “سيكون هدفي تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قُدمًا، نستند إلى المصالح والمسؤوليات المشتركة، مع التمسك أيضا بالقيم الأمريكية الأساسية”.

* أستاذ الهندسة البيئية والمياه المُشارك، بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com