منتدى القصة

وقفات تأملية في المجموعة القصصية “تراسلني فراشاتي” للدكتورة سميرة الزهراني

طارق يسن الطاهر

هي مجموعة قصصية بعنوان : “تراسلني فراشاتي” للدكتورة سميرة الزهراني ، تتكون من سبع وثلاثين قصة قصيرة.

عناصر القصة القصيرة بمفهومها التقليدي أو بمفهومها الحديث في القصة المعاصرة تشكل ركنا أساسيا في بناء القصة الفني، وذلك ما أحسنت الكاتبة توظيفه بشكل مميز حسب ما تتطلبه الحاجة الفنية.

أتناول هذه المجموعة تناولا انطباعيا، وأقف عليها وقفات تأملية خاطفة، ولا أدَّعي الإحاطة بجميع تفاصيل هذه المجموعة المميزة، وإنما آخذ جانبا من كل طرف؛ لأفتح الباب لمزيد من تأويلات النقاد ودراساتهم .

أتوقف بدءا لدى أبطال القصة، فمن المدهش أن معظم أبطال قصص هذه المجموعة لم يكونوا شخوصا ،كما هو متعارف عليه، وإنما معاني وأحداث، ومن ذلك الموت، فحينما يكون الموت بطلا في قصة قصيرة فلينتظر القارئ الإدهاش والتفرد.
وكذلك من ضمن الأبطال المرأة -أية مرأة- وليس امرأة محددة باسم معين، فلا تكاد تخلو قصة من وجود المرأة فيها…

عدة أشياء ميَّزت هذه المجموعة القصصية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
سلامتها من الناحية اللغوية، فلا يكاد القارئ يعثر على أية هنة لغوية أو غلطة نحوية، وهذا أمر نادر الحدوث في كتابات هذه الأيام، فلا غرو، فالكاتبة متخصصة في اللغة العربية، ومؤلفة مميزة .

كذلك مما يميز المجموعة استخدام لغة رصينة غير مبتذلة، صاغت بها معاني محتشمة؛ لتحقق أغراضا فنية قيِّمة.

ومما يلفت الانتباه توظيف كلمات هجرها الاستعمال الحديث رغم سلامتها اللغوية، ومن ذلك اسم الإشارة بصيغة “تان” في قولها في قصة “خيبة”: “وغابت معه تانك العينان”، وكذلك كلمة “بنى” في قولها في قصة “تقاليد” : “اشترى البيت الملاصق لمنزلها وبنى ببنت عمه “.

الطابع المسيطر على معظم القصص هو التناقض الحاد بين الأحداث؛ مما يُفرز عنصر الدهشة، ويكرِّس عامل المفاجأة لدى القارئ، كما في قصة “بر” و” معاصٍ”.
ومما يثير الدهشة لدى المتلقي النهايات غير المتوقعة كما في قصة “مفاجأة” و”صدمة”…

ثمة قصص جسَّدت بعض الممارسات الواقعية، كما في قصتي “مصلحة وعروس” فهي تحدث على أرض الواقع، فقد نقلتْها الكاتبة من الواقع الحقيقي إلى الواقع الفني.

مما يُلحَظ في هذه المجموعة غياب الحوار وسيطرة السرد، وهذا لابأس به، فللكاتب أن يُكثر من الحوار أو يكثر من السرد أو يمازج بينهما ، أو يوظف أحدهما على حساب الآخر ، وغلبة السرد مطلوبة في القصص القصيرة، والقصيرة جدا لضيق وعائها، وصِغر قالبها، فلا تحتمل حوارا مسترسلا قد يتطلب اتساعا .

والمجموعة تعجُّ بالصور الخيالية التي تقرِّب القصة لفنيات الشعر ، فقد أجادت الكاتبة في سبك عباراتها، وصوغ مفرداتها ومن ذلك قولها : “في بريد الكون غاب الجسد” ، و”على عتبات الحياة تتوقف كثير من الأمنيات”.

كما لم تكن الكاتبة مباشرة في توصيل أفكارها؛ فقد أعطت القارئ مساحة للتوقع، ومنحته فرصة للفهم؛ ليشاركها مآلات النص، ولم تقدم له الفكرة جاهزة ، وهذا قمة النضج الفني ،ويبدو ذلك أكيدا في قصة “ابتلاء” حين قالت : “فصغيرتي لا تعرف من العالم إلا الأصوات فقط” . وكذلك في قصة “دَيْن” حينما أعطتنا إشارات لنفهم أن صاحب الدكان توفي.

“تراسلني فراشاتي” مجموعة قصصية تراوحت بين القصة القصيرة والقصيرة جدا وربما الومضة في بعضها ، تميزت في جوانب كثيرة ، أرجو أن أكون أضأت الطريق لمزيد من الدراسات النقدية المتخصصة لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Tyaa67@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com