المقالات

عبدالله أبو ملحة رجل سبق عصره

في هذه الحياة نماذج وشخصيات وطنية تمرُّ عليك ولن تستطيع أن تنساها، وبالأمس فقدنا نموذجًا من نماذج الوطن ألا وهو الأخ والصديق والقريب على كل من عرفه عبدالله بن سعيد أبو ملحة -رحمه الله-، نعم أقول هنا: إنه كان نموذجًا (من أكثر التعاريف شيوعًا لكلمة “النموذج” في اللغة العربية هو “المثال الذي يُقتدى به”) وقد كان أبو عبد العزيز -رحمه الله- كذلك.

عرفت هذا الرجل شخصيًا في عام 1414هـ عندما تعينت مديرًا للخطوط السعودية بأبها، عرفته في أول أسبوع تقريبًا من مباشرتي للعمل (وكنت قبلها قد تشرفت باللقاء الأول التعريفي مع القامة الكبيرة علمًا وأخلاقًا وإدارةً وقيادةً وسموًا ألا وهو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير في ذلك الوقت)؛ حيث كان أول لقاء لي معه -رحمه الله- عندما كان لديه في أول أسبوع من نزولي لبيتي في أبها مناسبة عشاء في المنزل لبعض الضيوف؛ حيث تفاجأت بطارق يطرق باب بيتي لم يسبق أن التقيت به فإذا بي أجد رجلًا بهي الطلة جميل المنظر بشوش الوجه يقول: (أنا عبدالله أبو ملحة وعرفت أن عندك عشاء فعزمت نفسي عندك لما سمعته عنك وأنت في الخطوط السعودية بالرياض والطائف وبيشة) !!!! يا الله ما أكبر وأعظم وأسمى تلك الكلمات في نفسي ووقعها عليه وعلى الحضور، الله ما أعظم سمو هذه النفس البسيطة الاجتماعية (ولم يكن غريبًا أنه منذ دخوله للمجلس فقد ملكه وملك الضيوف والحضور بل إنه أصبح الضيف على الجميع)، وكان الحديث منه ومن الحضور مركزًا عن عسير وأميرها وطبيعتها وأهمية أن يعمل الجميع لعسير وللوطن، (وبعد أن انتهت المناسبة وقبل أن يخرج قال لي بما معناه “المنطقة في حاجة لزيادة دور الخطوط السعودية، وأنا بشخصي وبموقعي وبمسؤولياتي معك وتحت أمرك في أي عمل يمكن أن نعمله لتحقيق ذلك”).

توالت لقاءاتنا العملية وعملنا فريق عمل مشترك بين الخطوط السعودية وبين الغرفة التجارية بدعم من المخلص وقائد التنمية خالد الفيصل -حفظه الله- ورعاه وخلال فترة بسيطة وبجهود رجال مخلصين (ومن ورائنا رجل عظيم بحجم سمو الأمير خالد الفيصل -حفظه الله-) نجحنا كفريق عمل في تحقيق إنجازات غير مسبوقة في فترات بسيطة مثل رحلات مباشرة لأول مرة بين أبها والدمام وانتهاء معاناة المسافرين من أبها للدمام عندما كانوا يتوقفون في الرياض، مبنى يُبنى لأول مرة ليكون واجهة حضارية للخطوط، تطوير مشاركة الخطوط السعودية في مهرجان صيف أبها، تسويق مشترك لمنطقة عسير في المحافل الداخلية والدولية وكانت باكورتها “عسير في معرض السفر العربي في دبي”، ولا أنسى وقوف وانبهار الشيخ محمد بن راشد عند افتتاح سموه المعرض؛ حيث واجه فرقة عسير الشعبية القادمة بعرضة من جناح عسير إلى جناح الخطوط السعودية في الصالة الأخرى وإعجابه بتلك الفكرة (كانت تلك فكرة أبو عبد العزيز -رحمه الله- لكي يعرف الجميع في معرض الطيران المتخصص أن هناك جناحًا لمنطقة من مناطق المملكة اسمها عسير جاهزة للسياحة والسفر وأن الخطوط السعودية وعسير فريق مشترك لخدمة الوطن، وبالفعل تحقق ذلك)، كذلك نجحنا في تشغيل الطائرات العريضة الجامبو 747 من الرياض ومن جدة لأبها بدرجة سياحية واحدة بدلًا من عدد من رحلات الترايستار والإيرباص التي لم تكن تستوعب سوى حوالي 200 راكب للطائرة. بينما الجامبو 400 راكب.

عبدالله أبو ملحة قامة وطنية، سخر وقته وجهده وماله لخدمة عسير وخدمة الوطن في كل مناصبه التي تولاها، وكان قامة إنسانية خيرية لكل محتاج ومحتاجة، وكان مجموعة إنسان من خمسة أضلاع (وطني، إنساني، اجتماعي، قيادي، مُستشرفٌ للمستقبل).

عبدالله أبو ملحة كان اليد اليمنى للقائد خالد الفيصل في تسخير إمكانيات غرفة أبها لعقد مؤتمر رجال الأعمال بالمملكة الأول في عسير عام 1419هـ (على ما أذكر)، والذي شرفه المرحوم بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ذلك المؤتمر الذي خرج بتوصية واحدة، وهي إنشاء هيئة تُعنى بالسياحة في المملكة (وهي في الواقع ثمرة ما زرع خالد الفيصل للسياحة منذ التسعينيات الهجرية)، وبالفعل وخلال فترة بسيطة تم صدور أمر ملكي بإنشاء (الهيئة العليا للسياحة) وتولي سمو الأمير سلطان بن سلمان لرئاستها، وتكوين تناغم بين سموه الكريم وبينه -رحمه الله- وفرق مشتركة بين السياحة وعسير.

عبدالله أبو ملحة ودوره في أول (مجلس إدارة للخطوط السعودية كان يهدف لتخصيص الخطوط السعودية ونقلها من القطاع العام إلى مرحلة التخصيص).

عبدالله أبو ملحة ودوره العملي والاجتماعي والشخصي مع سمو الأمير خالد الفيصل ورجال المنطقة في إنشاء جامعة الملك خالد وتسخير إمكانيات الغرفة التجارية لذلك، بل وتسخير بيته ومجالسه للقاءات مع المسؤولين وفرق العمل لقناعته بأن الجامعة عنصر من عناصر التنمية والتعليم والمعرفة والاقتصاد (وهذا ليس غريبًا عن أسرة آل أبو ملحة العلم والتعليم)؛ فقد سمعت منه -رحمه الله- أن الجد عبد الوهاب -رحمه الله- قبل أكثر من سبعين وثمانين عامًا، كان يقول لأبنائه وبناته لحثهم على العلم، كان يقول وبما معناه (لا يُسلم عليه أو يبحث عن رضاية أحد منكم إلا من تكون شهادته العلمية في يده ويضعها على جبينه).

هذا جزء ونزر بسيط من مآثر عبدالله أبو ملحة -رحمه الله- ولدينا مواقف أكثر ولا تسمح المساحة بنشرها، مع ثقتي بأن غيري كُثر لديهم مئات المواقف.

رسالة ختامية:
أوجه رسالتي هنا إلى شخصيتين مهمتين الأولى لصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير (الذي أعرف وأثق أنه سيكون من الأوفياء له -رحمه الله-) والثانية لمعالي وزير التعليم الدكتور يوسف البنيان، وهي إطلاق اسم عبدالله أبو ملحة على مركز علمي في جامعة الملك خالد يُعنى بالأبحاث الاقتصادية والتنموية والعلمية، وإن لم يكن ذلك فليطلق اسمه على إحدى القاعات الكبرى بالجامعة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويرحمه ووالديه ووالدينا والقارئين، وآبائنا وأمهاتنا وآباءهم وأمهاتهم وموتى المسلمين، إنه سميع مجيب الدعاء.

وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يسرني دائما مايخطه الأوفياء في حق أصدقائهم الذين لهم دور فاعل في حياة من حولهم وفي بناء وتنمية الوطن .
    شكرا أستاذ محمد لك ولكل الأوفياء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com