المقالات

يا يومها..يا يومنا!

كلما رأيتُ أو سمعتُ عن الطريقة التي يتعامل بها الطلابُ، الآن، مع معلميهم ومعلماتهم، تذكرتُ كيف كنا نتعامل نحن مع معلمينا ومعلماتنا، وكيف أننا كنا نحترمهم أيّما احترام، ونحبهم حبًّا شديدًا، لمَا وجدناه فيهم من تفانٍ وإخلاص في تعليمنا وتربيتنا.
يومها لم يكن المعلم يبتغي شيئًا سوى أن يجد ثمرة تعبه على طلابه، بازلًا كل ما في وسعه، ليصل أبناؤه الطلاب وبناته الطالبات إلى أفضل مستوًى تعليمي وأخلاقي، مثلما كان الطلاب يومها في قمة التحلي بالأخلاق واحترام الجميع.
يومها كان معلمونا يتعاملون معنا كأننا أبناؤهم، وكنا نراهم في مكانة آبائنا وأمهاتنا، لم نكن نفكر في أن نتلفظ بمفردة غير لائقة لم يعتد عليها سمعهم، بل كنا نحدثهم وأعيننا لا تجرؤ، احترامًا لا خوفًا، على أن تنظر إليهم. يومها كنا نصمت جميعًا داخل فصولنا ما إن يدخل معلمنا، ونُخرج أدواتنا في هدوء، مستمعين إلى شرحه، دون أن يحاول أحدنا أن يُحدث أمرًا يعمل على إهدار دقيقة واحدة من الحصة المدرسية، على عكس يومنا هذا الذي يتفنن فيه معظم الطلاب، ذكورًا وإناثًا، في كيفية إضاعة وقت الحصة الدراسية في أحاديث جانبية، أو لعبًا على الأجهزة المحمولة، وهم يتعاملون هكذا مع معلميهم بقلة ذوق وأدب، محاولين مضايقتهم رغم أنهم يحاولون أن يفيدوهم.
طلاب اليوم لا يهتمون، إلا من رحم ربي، بالمعلم ولا بشرحه ولا بنصائحه لهم، كل ما يهتمون به هو أن يجعلوه يصل إلى مرحلة حرق دمه والعصبية والخروج عن شعوره، متعاملين معه معاملة سيئة للأسف الشديد، دون أن أحدثك عزيزي القاريء عن الألفاظ النابية التي يتبادلونها معًا في حضور معلم أو معلمة!
يومها كنا ننظر إلى معليمنا باعتبارهم قامات كبيرة، والآن يتعامل الطلاب مع معلميهم دون أدنى اعتبار لهم، رغم ما يقدمونه لهم من خدمة تعليمية وتربوية، لكنها تذهب أدراج الرياح مع رءوسٍ صدأ ما بها من عقل، ولم تعد تحتوي سوى على كل ما ليس له قيمة، إلى جانب عشرات الألفاظ التي تؤذي كل أذن تسمعها.
الآن يعاني المعلمون أشد معاناة، وهم يمارسون مهنتهم التي هي في الأساس مهنة الأنبياء والرسل، حتى أن المعلم يتنفس الصعداء عقب انتهاء كل يوم دراسي، داعيًا الله أن يسترها معه وأن يُنهي عامه الدراسي على خير، وبدلًا من أن يذهب صباح كل يوم إلى عمله مطمئنًا آمنًا على نفسه وأعصابه وحياته، فرِحًا بما سيؤديه من مهمة جليلة، إلا أنه يذهب مقبوض القلب، متوقعًا حدوث مكروه له في أي وقت، قد يتسبب له فيه طالب لم يُرزق من الأدب شيئًا، ولم يمنحه أبواه من التربية إلا سيّئها.
واليوم ليس بوسعنا إلا أن ندعو الله أن يلطف بكل من يمتهن مهنة التدريس، وأن يُعين كل اثنين اشتركا في إنجاب طفل على تربيته تربية صحيحة، تجعل منه شخصًا نافعًا، يفيد نفسه وأسرته ومجتمعه، محاولين إبعاده عن كل الدوائر التي قد تخلق منه عضوًا فاسدًا، يضر بكل من حوله، ويتسبب لهم في الأذى بشتى أنواعه.
ونهاية..ألا ليت يومذاك يعود ويحل محل يومئذ، فلعلّ وعسى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com