آراء متعددةحوارات خاصة

الروائي محسن يونس: في البدء كانت حكايات جدتي.. وهذه طقوس الكتابة

حوار – محمد بربر

طوال ليالي شهر رمضان المبارك، تستضيف صحيفة مكة الإلكترونية، نخبة من كتّاب الرأي وأهل الأدب، لتسليط الضوء على رحلتهم مع القلم، والاستفادة من تجاربهم، يسعدنا أن نكون مع الروائي الكبير محسن يونس الذي قدّم للمكتبة العربية 28 كتابًا بين القصة والرواية وأدب الأطفال، متسلحًا بعوالمه الثرية حيث البحر والصيادين وعادات القرية وروح التراث الشعبي.

– متى بدأت رحلتك مع القلم؟

منذ تعلمت القراءة، فالقارئ كاتب بشكل ما، وتحضرني هنا ذكرى قديمة، ألخص لك وقائعها سريعا، وهي حول ما كنت أسمعه من حكايات جدتي لأمي ليلا، وفي الصباح أحكي حكايات جدتي لأقراني، بتصرف كنت أراه وقتئذ منطقيا، أو هكذا تكون أحداث الحكاية من وجهة نظري، متخطيا متن جدتي العظيمة، ثم بعد ذلك حينما بدأت القراءة من خلال مكتبة الفصل بالصف الثالث الابتدائي مع قصص كامل كيلاني، كنت أعيد قصها بتصرف أيضا، بالتأكيد كنت وما زلت لا أطاول قامة هذا الكاتب الرائع والرائد، ولكني كنت كاتبا، وليس على الكاتب “حرج”.. أليس كذلك؟

إذا كنت تريد من خلال سؤالك معرفة متى بدأت أمسك قلما أمام صفحة ورقة بيضاء لأقوم بصياغة أفكاري فوقها، فقد بدأ هذا في أواخر عام 69 من القرن الماضى، وقد سبق هذا التاريخ قراءة يومية بدأب مع متعة أيضا، واستثارة وجدانية وعقلية سنينا تربو على 18 عاما، وحين قررت الكتابة كان بسبب القراءة.. هل هذا يحتاج لتفسير؟ سأفسر لك .. كنت فى ثالث يوم من امتحانات معهد المعلمين، الذي يؤهلني لأكون معلما بالمدارس الابتدائية، وأنا إنسان قارىء، ولم يكن لدى أى كتاب – رواية خاصة – لأقرأها وسط المراجعات التى كنا نسهر للصباح قبل الذهاب إلى لجان الامتحان، لم أستطع المذاكرة، كنت أريد قراءة رواية، فى الساعة الواحدة من صباح اليوم كتبت قصة فى 13 صفحة، مازلت أتذكر عنوانها “قصة حب فى يوم واحد” ولا أتذكر وقائعها، وبعد أن قرأتها استقرت نفسي، وبدأت المذاكرة.. ألم أقل لك الكاتب قارىء، والقارىء كاتب بشكل ما؟!

– إذن متى كانت بدايتك مع النشر؟

فى البداية لم أكن أهتم بالنشر، الأهم كانت الكتابة، كنت أكتب وكفى، إلى أن كتبت مجموعة قصص تحت عنوان “الأمثال فى الكلام تضيء” حملتها معى إلى مدينة المحلة الكبرى التى يعيش بها كاتبان من نفس عمرى وجيلى هما جار النبى الحلو ومحمد المنسى قنديل، فى زيارة قام بها نادى الأدب بدمياط، وكنت أحد أفراد الوفد، هناك فى المحلة قابلت جار النبى، وأعطيته المجموعة، ونسيت أننى أعطيتها له تماما، هذا كان فى أواخر سنة 72، فى السنة التى بعدها كنت مجندا بالجيش، وبعد الحرب بشهور نزلت إجازة، كان يوم التاسع عشر من ديسمبر 73 وكنت أجلس فى كافتيريا قصر الثقافة مع سمير الفيل ومحمد علوش، وإذ فجأة صرخ الفيل، فوبخته، ولكنه كان يمسك بجريدة المساء التى استعارها من أحد رواد الكافتيريا فاتحا صفحاتها، صاح: انظر، فنظرت، وجدت قصتي “العم بركات” منشورة فى ملحق الجريدة، الذي كان يحتضن التجارب المهمة، وهو المبشر والمعلن عن ميلاد كتاب الستينيات، والسبعينيات، وكان النشر فى هذا الملحق اعتراف بأهمية ما تكتب، وهكذا بدأت الرحلة، نشر لى عبد الفتاح الجمل المشرف والراعى ومكتشف الأصوات الكتابية المهمة 13 قصة فى خلال عامين بواقع قصة كل شهرين، حتى تغيرت السياسات بالبلاد وأغلق الملحق فى نهاية 76.. هذا باختصار إجابتى عن سؤالك، إلا أننى بدأت أعرف الطريق نحو النشر، والعجيب أننى لم أفكر أن أجمع قصصى فى كتاب لاعتقادى الخاص – ربما كان اعتقادا خائبا – أن القصة القصيرة هى بنت الصحيفة أو المجلة، نسيت أن أقول لك إن من حمل مجموعة الأمثال كاملة إلى ملحق المساء، والمشرف عليه عبد الفتاح الجمل كان جار النبى الحلو.

– كتابات محسن يونس تولد من رحم الواقعية.. ما الذي يشغلك؟

لإنسان دائما، وأنا ضد أعدائه فى أى مكان وزمان، هذا بشكل عام، أما بشكل خاص فأنا أعتبر أن المشهد الواقعى يظل على واقعيته، وكأنك بكتابته تشبه الكاميرا التى تلتقط اللحظة دون غيرها، بينما ما وراء المشهد الواقعى هو ما يهمنى، ويحفزنى ويثير طاقتى نحو التعامل معه كتابيا، هنا تتسع الرؤية، وتتعدد صور التأويل، هذا هو الفن والأدب كما ينبغى أن يكون.

– هل لديك طقوس معينة في الكتابة؟

سماع الموسيقى، قراءة الشعر الجيد أو مشاهدة فيلم على مستوى فنى عظيم ويثير قضايا الوجود والمصير بشكل جديد غير مكرر أو مسبوق، كل ذلك يحفزنى للكتابة، فى بعض الأحيان لا شيء من هذا، بل هو الامتلاء بما أنت مقبل على فعله، مع الهدوء والقوة الدافعة الذاتية للعمل والابتكار والكتابة.

– هل الكتابة بالنسبة لك مهنة؟ أم شغف؟

أحيانا أقف عاجزا أمام سؤال يبدو سهلا، فى المتناول، ومن مثل هذه الأسئلة سؤلك هذا، أى مهنة يا صديقى فى بلاد لا تقرأ، ولا أحد فيها يولى الكتابة والقراءة حقها من الاحترام، والسعى نحوها، لأنها تؤثر فى تشكيل وعى الإنسان، وتجعله فاعلا فى الحياة، لا سلبي أو عدمى أو بلا أفق أو رؤية، ربما هو الشغف رغم كل ما يحيط عملنا من متاعب أو إهمال الواقع، وشىء من فلسفة الأمر، حيث اخترنا هذا الطريق وعلينا أن نتحمل نتائج اختيارنا / هو موقفى باختصار.

– لماذا الكتابة في رأيك؟

أكتب لأنى أحمل رسالة، أود أن أرى من حولى من أبناء بلدى أكثر إيجابية وتفاعلا مع الحياة، مع القدرة على جعلها أكثر جمالا واتساعا فى أفقها، فليس من صالح الكاتب والكتابة الأدبية أن يتمترس فى خندق هموم المجتمع أو أن الكاتب يكتب للكتابة فقط، المسألة أعقد من مجرد وضع مانفستو وعلينا ككتاب اتباع بنوده.

– هل الكتابة اليومية مرهقة للكاتب؟

لا.. ليست مرهقة بل هي مثل تدريب اللاعب قبل خوض المباراة، لا بد للكاتب أن تكون لديه اللياقة الذهنية بجانب اللياقة المعرفية، وإلا أصابه البوار، هو في شغل دائم بأمور الواقع وأمور الكتابة، حتى تأتى اللحظة التي يبدأ بعدها فعل الكتابة لينتج فى نهايته عمله الأدبي.

– الكتابة مسؤولية اجتماعية؟ ما تعليقك؟

طبعا .. ليست المسألة وكأنها عقاب على الكاتب تحمل رهقه وما يعقب من آثار نفسية وبدنية، الكتابة فعل رائع بقدر ما هى مسئولية تجاه نفسك، وتجاه المجتمع، الكاتب يصدر وعيا، فإذا لم يكن الكاتب ملتزما تجاه واقعه، فهو هادم لا بناء، كما أن نظرية الفن للفن لا تصمد أمام ما يطرحه الفن والأدب وتصديه لمشاكل المجتمع.

– أبرز موقف تعرضت له من الكتابة؟

بشكل عام ولكن مع تأثير كبير، جعلتنى الكتابة بصراحة خارج بعض الطقوس الاجتماعية، كما أنها أبعدتنى عن الطموحات التى تشغل بعض الناس، ويسعون بدأب صارم نحو تحقيقها، وأنا هنا لا ألومهم فهذا هو اختيارهم، ولا أنعى نفسى بأننى لم أحقق شيئا من الوجاهة الاجتماعية التي سعوا لتحقيقها، وأنا لم أسع نحوها، فالمسألة اختيار كما بينت، والكتابة كانت اختياري.

– هل تعرضت للمحاسبة بسبب الكتابة؟

أبعدت عن عملى الوظيفى ربما بسببها أو بسبب سياسى أو لسبب آخر لا أعرفه، كان هذا فى عام 1977، وكان السادات يحكم قبضته، توطئة لذهابه إلى الكنيست الإسرائيلى، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.. لا أحب الحديث عن هذا ابتعادا عن أى شبهة ادعاء الوطنية أو البطولة، ولكن فعل الكتابة بعد هذه الضربة تأكد، وأصبحت شمسه ساطعة لا تغرب ولله الحمد.

– كتاب كان له بالغ الأثر؟

كتاب “ضرورة الفن” لأرنست فيشر – أكد لدى ودعم رغبتى فى الكتابة بما لا أشابه أحدا إلا نفسى _ هكذا فهمت من السؤال، طبعا هناك كتب أخرى، وتفاعلات أخرى، وأشخاص التقيت بهم أثناء ممارسة الحياة والكتابة كان لهم تأثير على المستوى الشخصى، وعلى مستوى الإبداع.

– ماذا تعني لك حرية الرأي؟

هى مثل وجودك تتنفس ويجرى الدم فى عروقك، فتتحرك وتنتج، وتكون إنسانا فاعلا إيجابيا لا سلبيا، وفكرة الكتابة نفسها تحمل فى روحها الحرية، وتؤكدها، فإذا لم تكن هذه الروح فلا كتابة، لا أتصور أبدا كاتبا فى مساحة خارج الحرية.

– ما هدفك من الكتابة؟

بعيدا عن أى ديماجوجية، أو شعارات رنانة، أنا أكتب وفى الواقع لم تحقق الكتابة لى وفرة مالية أو منصبا مهما، الكتابة فى مثل واقعنا تعطيك الشعور بأنك إنسان إيجابى، تنتج للمستقبل، وتشعر بمتعة خاصة يعرفها الكتاب عند ممارسة فعل الكتابة وفقط، هذا يكفى خاصة وأنا منذ البداية أؤمن بمقولة : “فى القليل الكثير”.

– كاتب تأثرت به؟

ليس التأثر هو الكتابة بمداد غيرك من الكتاب، ولكن ما أتصوره هو عملية معقدة، ولكن أهم ما فيها هو توليد القوة الدافعة الذاتية، لتمضى فى كتابتك الخاصة على قدر المصطلح القديم للإبداع “أن يأتى على غير المألوف” بهذا تكون ذاتك التى لا تنفصل عمن سبقك من كتاب، بل تضعك فى “الصف”، عندها تحصل على تميزك الخاص، هذه هى فكرتى عن التأثر، تمثلا – أيضا – بمثل قديم يقول: “هذا الأسد تكون من عصير أربعمائة شاة”.

السيرة الكتابية

محسن يونس

أعماله المنشورة

1– الأمثال – مجموعة قصصية 1980 – طبعة خاصة ومحدودة

2– الكلام هنا للمساكين 1989 قصص قصيرة – دار الغد – القاهرة –

3 – الأمثال فى الكلام تضيء 1992 قصص قصيرة – الهيئة العامة  للثقافة – سلسلة أصوات أدبية

4- يوم للفرح 1992 – الهيئة العامة للكتاب 1992 – سلسلة قصص عربية

5– حلوانى عزيز الحلو 1998 روايـــــة – الهيئة العامة للثقافة – سلسلة أصوات أدبية

6– بيت الخلفة 2004 ( تعديدة روائـــية فى أدوار ( رواية )  – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة

7- سيرة جزيرة تدعى ديامو 2008  ( رواية ) دار فكرة للطباعة والتوزيع – القاهرة

8- حكاية عن الألفة 2009 ( رواية ) دار فكرة للطباعة والنشر – القاهرة

9- بيت الخلفة ( رواية ) طبعة ثانية – الهيئة العامة للكتاب 2009 – مكتبة الأسرة

10- ما تبقى من بدايات بعيدة ( رواية ) 2012 – الهيئة العامة للثقافة

11- حرامى الحلة ( رواية ) 2012 – دار الأدهم للطباعة والنشر – القاهرة

12 – الملك الوجه ( رواية ) 2013 – دار الأدهم للطباعة والنشر – القاهرة

13 – خرائط التماسيح ( رواية ) 2015 – مركز الأهرام للطباعة والنشر – القاهرة

14 – حسن السماع وطيب المقام ( قصص ) 2017– إبداعات قصصية – الهيئة العامة للكتاب – القاهرة

15- منام الظل ( رواية ) 2017 – دار بتـــــــــانة للطباعة والنشر – القاهرة

16 – منطق الزهر – ( رواية ) – دار خطوط وظلال – الأردن – 2020

17 – 40 ألف كلمة – ( رواية ) = دار الأدهم – القاهرة 2021

أعمال للأطفال :

1- من ديوان الحمقى – قصص – دار الحدائق – بيروت لبنان 1995

2 – هذا من فعل السلطان 1996 – كتاب قطر الندى – القاهرة – قصص للصغار

3 – لغز الشعلة الراقصة 2000 روايــــة للصغار – دار الهلال – القاهرة

4 – اختفاء الروبوت سمسم 2014 رواية للصغار – دار الهلال – القاهرة

5 – تحفة النظار فى غرائب الأمصار ( تبسيط ) – الأدب العربى للناشئين – هيئة قصور الثقافة – 2014 – القاهرة

6 – القوة الداخلية ( قصة فى كتاب ) – دار أصالة – بيروت لبنان – 2017

7- الأمنية المشروعة ( قصة فى كتاب ) – دار أصالة – بيروت لبنان – 2017

8- رأس الدمية ( قصة فى كتاب – دار أصالة – بيروت لبنان – 2017

9 – أحلام ملونة ( قصة فى كتاب ) – دار أصالة – بيروت لبنان – 2018

10 – المنافسة الحقيقية 0 دار أصالة بيروت لبنان – 2018

11 – أحلام الكلب شمشون ( قصة طويلة ) سلسلة سنابل – الهيئة العامة للكتاب 2020

12 – درس الكرة ( قصة فى كتاب ) دار أصالة بيروت لبنان – 2022

– كتابة عشرات السيناريو ( استربس ) بالاشتراك مع العديد من الرسامين المعروفين فى مجال الفن والأدب الموجه للأطفال ..

 نشرت أعماله للأطفال فى المجلات الآتية : أحمد اللبنانية – علاء الدين القاهرية – العربى الصغير الكويتية – قطر الندى القاهرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى