المقالات

صفة حج الرسول الكريم (حجة الوداع)

تأسياً واقتداءًا برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ومع اقتراب أداء مناسك الحج لملايين المسلمين من كافة أصقاع الأرض، وجب الحديث عن صفة حج النبي الكريم، والتي عُرفت بـ “حجّة الوداع”، لأنّها كانت آخر حجّة له في حياته -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان قد ودّع الناس فيها، وبيّن لهم أحكام الحجّ، إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: “لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه” (رواه مسلم)، كما سُمِّيت أيضاً بـ “حجّة الإسلام”؛ لأنّ النبيّ الكريم أدّى حجّ الفريضة فيها، وبيَّنَ للمسلمين كيفيّة أداء الحجّ. كذلك، سُمِّيت بـ “حجّة البلاغ”؛ بسبب الخُطبة التي ألقاها النبيّ الكريم إذ تضمّنت قواعد دينيّةً موثقة، وقِيَماً اجتماعيّةً أوصى بإبلاغها إلى الناس كافّةً.
بالتفصيل: إحرام النبي بالحج
وقد حَجّ النبيّ الكريم في السنة العاشرة للهجرة، وقد نُقِلت العديد من الآثار التي تُبيّن كيفيّة حَجّه -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها الحديث الوارد عن الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- – ورواه مسلم في صحيحه-، والذي احتجّ العلماء واستدلّوا به في ما يتعلّق بتفاصيل أحكام الحجّ، إذ خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخامس والعشرين من ذي القعدة، بعد أن خطب في الناس وأعلمهم ماذا يلبس المحرم وكيف يكون الإحرام، وبقي بعدها في ذي الحليفة.
وفي اليوم الذي يليه اغتسل ولبس لباس الإحرام ثم أحرم؛ أي نوى الدخول في نسك الحج من ميقات ذي الحليفة المعروفة الآن بـ “أبيار علي”.
وفي يوم عرفة في اليوم التاسع من ذي الحِجّة؛ جُعِلت للنبي الكريم خيمةً في نَمِرَة، وخطبَ بالناس خُطبةً بليغةً جامعةً، ثمّ أدّى صلاة الظُّهر والعصر جَمع تقديمٍ، ثمّ توجّه إلى عرفة مُستقبِلاً القِبلة، مُتوجِّهاً إلى الله -سبحانه- بالدُّعاء، والذِّكر، والتضرُّع إلى أن غابت الشمس.
ثمّ شَدَّ رِحاله – صلى الله عليه وسلم- إلى مُزدلفة بخِفّةٍ وسكينةٍ، وصلّى فيها المغرب والعشاء جَمع تأخيرٍ، بأذانٍ واحدٍ وإقامتَين، واستراح -عليه الصلاة والسلام- في مُزدلفة إلى أنّ أدّى صلاة الفجر.
أما في اليوم العاشر وأيام التشريق، فقد توجّه النبي الكريم إلى المَشعر الحرام في مُزدلفة، واستقبل القِبلة، ودعا ربّه، وهلَّلَ، وكبَّرَ، ووَحَّدَ، ثمّ رمى الجمرة الكُبرى، بسبع حَصَياتٍ، وكبَّرَ في كلٍّ منها، ثمّ نَحرَ الهَدْي، وتَحلَّلَ من إحرامه، ثمّ توجّه إلى مكّة المُكرَّمة، وأدّى طواف الإفاضة، وصلّى الظهر فيها، ولم يسعَ بين الصفا والمروة؛ إذ إنّه أدّى السَّعي بعد طواف القدوم.
بعد ذلك، عاد النبي الكريم إلى مِنى، وأقام فيها ثلاثة أيّامٍ؛ لرَمْي الجَمَرات: الجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ الكُبرى في كلّ يومٍ، ووقف مُتوجِّهاً إلى الله بالدعاء والتضرُّع بعد رَمْي الجمرتَين؛ الصُّغرى، والوُسطى فقط.
وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة نزل – صلى الله عليه وسلم- في مكانٍ يُسمّى المحصّن بعد أن أدّى صلاة الظُّهر، ثمّ توجّه إلى المسجد الحرام، وأدّى طواف الوداع، وصلّى فَجر اليوم التالي، وارتحلَ عائداً إلى المدينة المُنوَّرة.
هذه باختصار كانت صفة حج النبي الكريم، وبقيت الإشارة إلى وجود تعدد في آراء العلماء حول نوع حِجّة النبيّ الكريم: إن كان قدّ أدّى الحَجّ قارناً، أو مُتمتِّعاً، أو مُفرِداً، استدلالاً بعدّة أحاديث، منها: ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- :”تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى”، وما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الحَجَّ”.
وبتفصيل أكثر، نجد أن المذاهب الفقهية الأربعة قد أشارت إلى نوع حجة النبي الكريم كما يلي:
– الحنابلة: قالوا إنّ النبيّ الكريم حَجّ قارناً؛ استدلالاً بما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُلَبِّي بالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا”.
– الحنفيّة: قالوا أيضاً إنّ النبيّ الكريم أدّى الحَجّ قارناً؛ إذ جمعوا بين ما استدلّ به كلّ فريقٍ، إضافة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يعمل بما يُوحى إليه.
– المالكيّة: قالوا إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أفردَ بالحَجّ، وأنّ الصحابة -رضي الله عنهم- أفردوا بالحَجّ أيضاً بَعده؛ كأبي بكرٍ، وعمر، وعثمان.
– الشافعيّة: قالوا إنّ النبيّ الكريم بدأ حَجّه مُفرِداً، إلّا أنّه قَرَن وأدخل العُمرة على الحجّ، فأصبح حَجّه قارناً، وقد نوّه الشافعيّة إلى عدم جواز إدخال العُمرة على الحجّ، إلّا أنّ ذلك جاز للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- فقط.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على أشرف المرسلين، راجين من المولى – عز وجل- أن ييسر لحجاج بيته نسكهم بكل يسر وأمان وطمأنينة.

والتي عُرفت بـ “حجّة الوداع”، لأنّها كانت آخر حجّة له في حياته -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان قد ودّع الناس فيها، وبيّن لهم أحكام الحجّ، إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: “لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه” (رواه مسلم)، كما سُمِّيت أيضاً بـ “حجّة الإسلام”؛ لأنّ النبيّ الكريم أدّى حجّ الفريضة فيها، وبيَّنَ للمسلمين كيفيّة أداء الحجّ. كذلك، سُمِّيت بـ “حجّة البلاغ”؛ بسبب الخُطبة التي ألقاها النبيّ الكريم إذ تضمّنت قواعد دينيّةً موثقة، وقِيَماً اجتماعيّةً أوصى بإبلاغها إلى الناس كافّةً.

المراجع ↑ عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 6، جزء 172. بتصرّف. ^ أ ب ت ث ج ح محمد العثيمين، اللقاء الشهري، صفحة 5، جزء 43. بتصرّف. ↑ “شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم”، إسلام ويب، 16/12/2004، اطّلع عليه بتاريخ 1/6/2022. بتصرّف. ^ أ ب ت ث مسلم النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 886، جزء 2. بتصرّف. ↑ مسلم، صحيح مسلم، صفحة 886. بتصرّف. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1691، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1211، صحيح. ↑ عبدالله البسام (2003م)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامِسَة)، مكّة المكرّمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 59، جزء 4. بتصرّف. ↑ يحيى النووي، المجموع شرح المهذب، الأردن: دار الفكر، صفحة 159، جزء 7. بتصرّف. ↑ أحمد النفراوي (1995م)، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، الأردن: دار الفكر، صفحة 370، جزء 1. بتصرّف. ↑ ابن عابدين (1992م)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 529، جزء 2. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1232، صحيح. ↑ منصور البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 376، جزء 2. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1297، صحيح. ^ أ ب عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 3، جزء 172. بتصرّف.

وليد خالد علوي

مدير البريد السعودي (سبل) بالعاصمة المقدسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى