المقالات

البحث العلمي بين النظرية وخدمة المجتمع

يمثل البحث العلمي الأداة التي من خلالها يمكن فهم الظواهر وتحليل المشكلات واقتراح الحلول؛ فهل ينظر له على أنه ركيزة أساسية لفهم المجتمعات وتقدمها؟! وهل يظل البحث العلمي حبيس النظريات الأكاديمية وقاعات الدراسة؟! أم أنه يجب أن يتجه نحو خدمة المجتمع ومواجهة تحدياته اليومية؟! فلا بد من إيجاد علاقة وتوافق بين الجانب النظري للبحث العلمي وخدمة المجتمع؛ مون البحث العلمي منظمة تهدف إلى استقصاء المعلومات والبيانات بطريقة منهجية من أجل الوصول إلى نتائج تساعد في تفسير الظواهر أو حل المشكلات.
إن التوازن بين النظرية والتطبيق في البحث العلمي هو ما يضمن فاعليته وجدواه؛ فالبحث الذي لا يخدم المجتمع يبقى ناقصاً مهما بلغت دقته النظرية لذلك.. من الضروري توجيه الجهود البحثية نحو خدمة الإنسان؛ لأن الغاية الكبرى من العلم هي الارتقاء بالحياة البشرية؛ بهدف إنتاج المعرفة، وتطوير الفهم النظري، وتقديم حلول مبتكرة، وتحسين نوعية الحياة؛ في حين أن الجانب النظري للبحث العلمي هو الأساس الذي يُبنى عليه البحث العلمي؛ شاملاً بناء الأطر المفاهيمية والنماذج التفسيرية، واختبار الفرضيات، وتطوير مناهج البحث وأساليبه.
ومع أهمية هذا الجانب؛ إلا أن الاقتصار عليه دون تطبيق قد يجعل الأبحاث بعيدة عن الواقع ولا تلامس احتياجات الناس، وعندما يُوجه البحث العلمي نحو واقع المجتمع والاهتمام به، فإنه يسهم في حل المشكلات الاجتماعية، وتطوير القطاعات الحيوية، ودعم صُنّاع القرار بالمعلومات الدقيقة، وتعزيز التنمية المستدامة، ومن أمثلة ذلك أبحاث تطوير مصادر الطاقة البديلة، والدراسات حول التعليم الرقمي في المناطق النائية، والأبحاث الطبية ذات العلاقة بالأمراض المنتشرة في المجتمع المحلي.
ورغم التطور في مجال البحث العلمي، لا تزال هناك فجوة بين النظري والتطبيقي لأسباب متعددة؛ كضعف التواصل بين الجامعات ومؤسسات المجتمع، والتركيز على النشر الأكاديمي بدلاً من التأثير المجتمعي، وقلة التمويل المخصص للأبحاث التطبيقية.. فعلينا دعم السبل الكفيلة بتفعيل البحث العلمي لخدمة المجتمع؛ لردم الفجوة وتحقيق التكامل بين النظرية والتطبيق، من تشجيع التعاون بين الباحثين والمؤسسات المجتمعية، وتوجيه التمويل نحو الأبحاث ذات الأثر المباشر، وإدماج المجتمع في تحديد أولويات البحث، وإنشاء مراكز بحثية موجهة لحل مشكلات محلية.
ويتطلب تفعيل البحث العلمي لخدمة المجتمع ربط المخرجات الأكاديمية باحتياجات الواقع العملي، وتوجيه الجهود البحثية لحل القضايا المجتمعية الملحة؛ في حيث يتم ذلك عبر مجموعة من الاستراتيجيات، تتمثل في دراسة احتياجات المجتمع ومشكلاته الفعلية بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية، وتشجيع الأبحاث التطبيقية التي تستهدف حلولاً عملية في مجالات مثل الصحة، البيئة، الاقتصاد، والتعليم، وإنشاء مراكز أبحاث مجتمعية في الجامعات تعمل بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والخاصة.. تُعنى بتوظيف نتائج البحث في تحسين حياة المواطنين.
كما ينتظر من الجامعات تحفيز الباحثين من خلال تمويل الأبحاث ذات الأثر المجتمعي، وتكريم الإنجازات البحثية التي تساهم في التنمية المستدامة، وإشراك المجتمع المدني في العملية البحثية، سواء في اقتراح الموضوعات أو في تقييم أثر الأبحاث، وتوظيف التكنولوجيا في إيصال نتائج الأبحاث وتطبيقها على أرض الواقع بوسائل فعالة وميسّرة، حيث إن تفعيل البحث العلمي لخدمة المجتمع لا يُعد خياراً ثانوياً، بل هو ضرورة لبناء اقتصاد معرفي وتنمية شاملة مستدامة، تجعل من الجامعات والمؤسسات البحثية قوة دافعة نحو التغيير والتحسين المجتمعي.

محمد العواجي

كاتب صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى