آراء متعددةالسلطة الرابعةتحقيقات وتقارير

في ذكرى ميلاده الـ78.. جمال الغيطاني روائي على خط النار

 

محمد بربر

تمر اليوم الذكرى الـ78 على ميلاد الأديب والمؤرخ المصري الكبير الراحل جمال الغيطاني، الذي ولد في 9 مايو من العام 1945، وحين أراد أن يصف مسيرته الطويلة كتب “منذ أن بدأت وأنا لديّ هاجس بأن أخط شيئاً لم يُكتَب مثله ولم أقرأه من قبل، كنت أقول ذلك لنفسي منذ كنت في العاشرة، وأظن أنني احتجت إلى أن أعمل 60 عاماً كي أكتب «حكايات هائمة» التي تخلصت فيها من كل الأشكال المسبقة، وتحررت من كل القيود ومارست فيها حرية وجرأة”.

حرص الغيطاني على أن ينهل من معين الأدب القديم، ويستعيد الكثير من النصوص المنسية، ويعيد تقديم رؤى نقدية بنظرة معاصرة جادة، متأثرًا بالحراك الثقافي الذي شهده، فضلا عن علاقته الأثيرة بصديقه وأستاذه الأديب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب، واختار التراث كمصدر استلهام إبداعى، مع استثناءات قليلة جدا، وربط بين الحاضر والماضى، من خلال البحث في التراث عما يوازى الحاضر، وعما استمر في الحياة من ظواهر القهر والظلم والاستبداد، وما فقده المجتمع من الحس الإنسانى والتسامح.

 

يكشف جمال الغيطاني، الذي عمل في الصحافة باحثًا عن مهنة تجعله قريبًا من عوالم الكتابة والأدب، عن أنه ولع بالحكي منذ الصغر، وتأثر بأول رواية يقرأها وكانت “البؤساء” لفيكتور هوجو، وقبل أن يكمل الخامسة عشرة من عمره كتب أول قصة تحت عنوان “نهاية السكير”، ودخل بها مسابقة نادي القصة، وكانت أول قصة تنشر له في يوليو عام 1963 في مجلة “الأديب” اللبنانية، وفي عام 1969 صدر له أوّل كتاب تحت عنوان “أوراق شاب عاش منذ ألف عام”، وتضم خمس قصص قصيرة، كُتبت بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء، عام 1967، ولاقى الكتاب ترحيبًا وحفاوة في أوساط القراء والنقاد.

وعمل جمال الغيطاني مراسلاً حربيًا على ضفاف قناة السويس منذ حرب الاستنزاف في 1969، حتى نصر أكتوبر 1973، وشهد الكثير من المواقف الإنسانية ولحظات الصراع والموت، خلال رحلة ممتدة نقل خلالها أخبار الجنود وجبهات القتال وأهالي مدن القناة بكل وطنية وشفافية وحس أدبي وإنساني مرهف.

وقدّم الأديب المصري أروع القصص الخبرية في تاريخ الصحافة المصرية، من وسط معارك الجيش المصري، واصفًا بطولاته في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكان دائًما على جبهة القتال، وإلى جانب ذلك فقد كان دارسًا وعاشقًا لتاريخ القاهرة القديمة بشكل نادر، وروايته الزيني بركات واحدة من أهم روايات الأدب العربي، بالإضافة لأعمال أخرى لامعة، مثل: وقائع حارة الزعفراني، والتجليات، ورسالة البصائر والمصائر، والرفاعي وغيرها الكثير.

كتب الغيطاني عشرات التقارير الصحفية من جبهة القتال، فنشر 6 رسائل صحفية عن الجنود، وكتب “رسائل مقاتل من أعماق سيناء”، وكتب أيضاً “أكلة الدبابات في موقع عبدالعاطي ورجاله”، وبفضله تحولت بطوله عبدالعاطي صائد الدبابات إلى أسطورة في الضمير الشعبي المصري، كما قدم تغطيات خبرية من قلب معارك الحرب اللبنانية، والحرب العراقية الإيرانية، كما غطى دور الجيش العراقي البطولي في حرب 1973.

يقول جمال الغيطاني عن علاقة المثقف بالسلطة: “المثقف يحتاج للسلطة في دولة تهيمن على كل شيء، وفي الوقت نفسه يريد أن يحافظ على استقلاليته، طوال 17 عاماً فترة رئاستي جريدة أخبار الأدب، ورغم أنها قومية إلا أنها كانت أقوى جريدة ثقافية معارضة، وفي أدبي كنت ناقداً عنيفاً، في روايات مثل: «حكايات المؤسسة»، و «رسالة البصائر» وفي عام 1974 فترة الانفتاح الساداتي كتبت رواية عنوانها «ذكر ما جرى» تخيّلت فيها بيع مصر في مزاد علني وقد نشرت في مجلة «الموقف العربي» في كانون الثاني 1975 وحتى عام 1985 كان ممنوعاً ذكر اسمي كأديب في الجريدة التي أعمل فيها أخبار اليوم”.

 

ترك الكاتب الراحل العديد من الإسهامات فى عالم الأدب والتراث العربى، وكان له عدد من الروايات الرائعة من بينها رواية “الزينى بركات”، أحد أهم الروايات البارزة فى الروايات العربية، التى صدرت عام 1974، وجسدت تجربة معاناة القهر البوليسى فى مصر، وترجمت رواية “الزينى بركات” إلى الألمانية والفرنسية عام 1985 بعد أن حققت صدى طيباً وسط الدوريات الثقافية فى العالم، كما تحولت الرواية إلى مسلسل مصرى تاريخى من إخراج يحيى العلمى وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوى.

كما قدم رواية “وقائع حارة الزعفراني” وقد ترجمت إلى الألمانية عام 2009، كما كتب رواية الزويل، وهي عن زمن سحرى وتدور حول قبيلة “الزويل” التي تعيش بين مصر والسودان، وتخطط لحكم العالم.

وتعتبر رواية “البصائر والمصائر” واحدة من أهم أعمال الغيطاني، قدمها عام 1988، وأبرزت التحولات الكبرى فى المجتمع المصرى نتيجة الانفتاح الاقتصادى المشوه، وتعبر عما جرى للمصريين اللذين حاربوا والذين خرجوا من الوطن وعانوا من سنوات الغربة والشقاء، وترجمت إلى الألمانية عام 2001.

وفي روايته “حكايات الخبيئة” يرصد التناقضات الموجودة فى أعماق النفس البشرية، ويكشف عن تشابك الواقع والوهم، وتتداخل الرؤى لدرجة انعدام الرؤية عند البعض.

وتعد “هاتف المغيب” من روايات الفانتازيا ألفها بعد الغزو العراقى لدولة الكويت، وانتقد فيها بعض الأوضاع السياسية بأسلوب قصصى وغير مباشر، وتدور حول شاب مصرى يسمع هاتفا غريبا يضطره إلى الهجرة نحو مغيب الشمس فى رحلة تشملها العجائب والحكم وأخبار الطيور، ويتجلى عشقه للتاريخ فى التوثيق بعين مغايرة، وهى عين المبدع والحكاء فى «ملامح القاهرة فى ألف سنة»، الذى قدم جولة تاريخية تتنقل من منطقة إلى أخرى، فى وصف للأزياء والمعمار وتاريخ المقهى كما لم تفارقه اللغة التراثية فى «دفاتر التدوين» السبعة التى جاءت أشبه بالشذرات والذكريات التى تفيض بالتأمل والسرد الروائى.

شغل الغيطاني لسنوات عديدة منصب رئيس تحرير جريدة الأخبار اليومية. ومنذ 1993 عقد – كناشر ورئيس تحرير صحيفة “أخبار الأدب” المصرية الأسبوعية الوحيدة – ندوات للمواهب الشابة والنقاد حول كتاباتهم. وحصل على جوائز عديدة لأعماله، وفي مارس 2009 حصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي جائزة عالمية مشهورة تمنح في أبو ظبي كل سنة للمبدعين من المفكرين والناشرين والعرب، وتوفي في أكتوبر من العام 2015.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com