المقالات

من رجالات الدولة… الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين -رحمه الله-

بمناسبة يوم التأسيس

اعتمدت الدولة السعودية منذ تأسيسها قبل ما يُقارب من ٣٠٠ عام على رجال أكفاء، كان لهم دور كبير في خدمة الدولة وتسهيل مهامها في جوانب الحياة المختلفة، وسوف نتناول في هذا المقال واحدًا من الرجال الأفذاذ الذين كان لهم دور في خدمة الوطن والمواطنين، وقد وصلت سمعته إلينا عندما كُنا طلابًا في الجامعة في عهد الملك فيصل -رحمه الله- في بداية التسعينيات الهجرية، وعرفناه عن قُرب من خلال المشاركة في لقاءات الحوار الوطني المتحددة، إنه معالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين -رحمه الله-.

مولده:
ولد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين في بلدة شقراء عام 1351هـ (1932م).

دراسته:
أتم دراسته في كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1374هـ.
ونال الماجستير من مصر في الدراسات القانونية عام 1380هـ.
سيرته العملية:
عمل مستشارًا في وزارة المالية والاقتصاد الوطني في عهد وزيرها الأمير/ مساعد بن عبد الرحمن.
وعين رئيسًا لهيئة التأديب ووزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء، في عام 1391هـ.
وكُلف بعدها برئاسة شعبة الخبراء في المجلس.
توقف عن العمل الحكومي إليه بعد تكليفه في عام 1422هـ برئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
ثم رئيسًا للجنة العليا لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في عام 1424هـ.

كان الشيخ يتصف -رحمه الله- بصفات كثيرة، منها تواضعه وزهده ومنها سعة علمه، يُجيد اللغة الإنجليزية ويُجيد اللغة الفرنسية وبعضًا من الألمانية، عند توقيعه باسم إحدى الجهات التي يرأسها لا يكتب (رئيس الجهة الفلانية) وإنما يُكتب (عن رئاسة الجهة الفلانية)، ورغم أنه كان صاحب معالي ومرتبته مرتبة وزير، يزوره في بيته الأصغر منه قدرًا وعلمًا وسنًا، ومع ذلك كان يصر أن يقوم هو بمهمة صب القهوة، وإذا رأى ضيفه محرجًا من أن يتناول القهوة منه يقول له بكل تواضع تقهو.. أنا ألذ ما عندي في القهوة صبّها!

* رجل اقتصادي مُتمكن، وقانوني من الدرجة الأولى.
* لا تتعجب أنه كان إذا سافر.. يُسافر على الدرجة السياحية رغم قدرته السفر على الدرجة الأولى.
* عندما وصل راتبه 10 آلاف ريال.. قرر أن يتقاعد.. لأن نصف الراتب الذي سيستلمه هو (5 آلاف) كافٍ؛ لأن يعيش بها حياة الرفاهية (في نظره)، وهذا دليل زهده.
* ومن الطريف أنه عندما تم تعيينه مستشارًا في الدولة، ذهب ليبشر والدته فقالت له: (خلف الله على حكومة تختارك مستشارًا فيها).

قصص تواضعه كثيرة، والمواقف التي برز فيها علمه وسعة اطلاعه كثيرة أيضًا..
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه..

الكثيرون قد لا يعرفون أن الشيخ صالح الحصين قد أسهم بخبراته القانونية في تأسيس صندوق التنمية العقارية، وهو المصرف الذي أنشأته الحكومة منتصف التسعينيات الهجرية، السبعينيات الميلادية لتقديم قروض للمواطنين تعفى ما نسبته 30% في حال التزام الشخص بالسداد في الوقت المحدد، وتولى فضيلته رئاسة مجلس إدارة الصندوق.
ويتناقل الناس منذ السبعينيات قصصًا في غاية الظرف عن تواضعه، من ذلك:
أنه أتى إلى الديوان الملكي بسيارة أجرة في الوقت الذي كان يحتل فيه مرتبة وزير، وقد أوقفه حرس القصر لكن عبور الدكتور رشاد فرعون سهّل الموقف.

ويروي مراسل إمارة القصيم عندما قصده في مزرعته لإيصال دعوة لاجتماع عاجل في الرياض، فوجده وهو في ملابس المنزل على السلم يُعيد طلاء السور! فوجئ المراسل بأن المطلوب يقف على السلم بعدما ظن أنه أحد العمال!
والكثير الكثير من القصص التي تحكي تواضع هذا الرجل المبدع والعالم الورع، يذكر أنه جاء لإحدى الجهات الحكومية في اجتماع مهم مع شخصية بارزة، ولكنه أخبرهم أنه لم يصلِ الظهر بعد، فتأخر الاجتماع وذهب الشيخ لدورة المياه المخصصة لذلك المسؤول! للاستعداد للصلاة، وحينما جاء وقت الصلاة رفض أن يؤم من معه! لولا إلحاحهم الشديد.
وكان رجلًا دقيقًا في المواعيد يحضر في الموعد مهما يكلف الأمر، ويحرص على الاجتماعات مهما كان مقر عقدها، وكثيرًا ما كان يُسافر للمشاركة فيها ويعود في اليوم نفسه، وإذا ما علمت بأنه يبتعد في أسفاره عن المظاهر، وينتقل بالدرجة السياحية فلا تستغرب!
إضافة إلى ذلك فهو لم يكن يحب الحاشية والمرافقين، لديه فقط سائق وسكرتير يرتب أوراقه ومواعيده، وهو يتفرغ للقراءة والتأليف في مجاله الذي يحبه وهو الاقتصاد والنظريات الإسلامية، وزيادة على ذلك فلم يكن يتأفف من طلبات المشورة التي تأتيه من كل جانب، ذلك بسبب خبرته القانونية الكبيرة وإشرافه على الكثير من الأنظمة التي صدرت في البلاد خلال العقود الماضية.
وقد عُرف عن الشيخ حبه للاحتساب، لذلك فقد آثر القُرب من الحرم النبوي حينما استراح من العمل الحكومي، وقام بمهام الاحتساب في الدعوة، ويتسلى في الزراعة بمنطقة القصيم ثم في المدينة المنورة بعد أن استقر فيها، قبل أن يكلف برئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.

ويروى أن أحدهم أهدى للشيخ كتابًا من تأليفه في التاريخ، فالتقاه بعد يومين وفي رأس الشيخ استفسارات! حيث إنه أنهى الكتاب وبدأ يحلل ويربط بين الحكام والملوك وِفقَ قراءاته السابقة، ويعلق صاحب الكتاب ويقول: أعطيت الكتاب لعدد كبير من المهتمين والفارغين! ولم يبدِ أحدهم رأيًا في الكتاب.
والشيخ كان واسع الاطلاع؛ حيث إنه يتقن إضافة إلى اللغة العربية لغة القرآن: اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية وبعضًا من الألمانية، وهذا الإلمام والإتقان أتاح له قراءة العديد من الكتب والدراسات، ويكفي فقط أن تسمع لجلسات الحوار الوطني التي كانت تبثها مباشرة قناة الإخبارية وقد شاركت في ثلاثة منها، وحينما يلقي كلمة الافتتاح، نجده يبحر ذات اليمين وذات الشمال يمر على كل الأفكار، ويستشهد بآراء العديد من العلماء المسلمين والغربيين، ويذكر دراسات بنصها الإنجليزي لمزيد من الإثبات والاستشهاد، لذلك تكون مقدمته عبارة عن مقالة ثقافية فريدة من نوعها يستحق المرء أن يجعلها محورًا ثقافيًا للنقاش.
ومادام الحديث عن الحوار الوطني الذي كان يتولى رئاسته، فمن المعروف عنه توقيعه في نهاية خطابات المركز الرسمية بمقولة: عن رئاسة المركز … ولا يضع نفسه رئيسًا؛ كونه يؤمن بأهمية مشاركة الجميع ومساواة زملائه له، وهذا من تواضعه وحسن أخلاقه.
وكنت ألاحظ مع الكثير من المشاركين في الحوارات الوطنية تواضع الشيخ وتقبله للنقاش، ومن طبعه الجنوح إلى الصمت، ويحتفظ بآرائه ليبديها عند الطلب، وهو يتلطف بمداخلاته معتمدًا على الأمثال والظرف، ويراعي توجه الأغلبية في الاجتماعات الإدارية التي يحضرها، وتجربته في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مهمة جدًا حيث إنه يتعامل مع عدد من أطياف المجتمع بمختلف ثقافاته، وهذا يحتاج مرونة عالية وعلمًا واسعًا وأخلاقًا حسنة، وقد اجتمعت كلها وزيادة في فضيلته.
ولقد لُوحظ في العديد من اللقاءات الحوارية أنه يعتمد على النقر على الطاولة لتنبيه المتحدث بانتهاء الوقت بدلًا من المقاطعة الصوتية التي قد تُضيع على المتكلم فكرة ما، وهذا من لطيف أدبه وحسن خلقه.
وقد تعرض الشيخ -رحمه الله- لجلطة وكان يُمارس بعض عمله باهتمام واجتهاد، مع معاناته بسبب المرض الذي أدى به إلى صعوبة في السير وصعود الدرج، ولكنه لم يجعل ذلك عائقها عن العمل والاجتهاد، وهي رسالة يوجهها للمجتهدين أن يتركوا الخمول والكسل ويبحثوا دائمًا عن النجاح.

للشيخ -رحمه الله- أخوان هما: الأستاذ سعد الحصين، ومعالي وزير المياه والكهرباء سابقًا المهندس: عبدالله بن عبد الرحمن الحصين، وله ابن واحد هو الزميل الدكتور المهندس عبدالله بن صالح الحصين، أستاذ العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود، وقد كان زميلنا في جامعة ولاية واشنطن في أمريكا.

ومن الفوائد التي يستفيدها من كان يقترب من هذه الشخصية الفذة والفريدة:
التواضع والابتعاد عن المظاهر.
حسن الخُلق.
الاهتمام بالدراسة والعلم.
الإخلاص في العمل وكتم السر والابتعاد عن ثناء الذات، وكان شعاره: دع أعمالك تتكلم عنك.
القراءة والمتابعة الدائمة لها.
الابتعاد عن المُلهيات ومشغلات الحياة.
ثباته على مبادئه وقيمه.
الاجتهاد في العمل وترك الخمول والكسل.
* لقد كان وجود الشيخ صالح الحصين في أي لجنة أو أي عمل هو مكسب مهما كان مجال عمله.

رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في الأحياء من ذويه ومحبيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com