أخبار العالمالمجتمعتحقيقات وتقارير

مهمة صعبة.. نساء يواجهن الحياة بمهن شاقة وأحلام بسيطة

القاهرة _ محمد بربر

نماذج ملهمة كتبت سطورًا من حكاياتها بكثير من الجد والتعب والشقاء، لكنها كانت مثلا وقدوة لكل امرأة تقدم معاني التضحية والعطاء، نساء في مهام صعبة، قد تشاهد سيدة في ورشة، أو مطعم، أو قهوة، أو تعمل في مهن الرجال، جميعهن يواجهن الحياة – رغم صعوبة أوضاعهن – بأحلام بسيطة والكثير من الأمل.

في السطور التالية، نرصد نماذج لهن، نقترب منهن لنعرف بعض الحكايات.

“أم كريم” في الحسين

في منطقة الحسين، تُعرف “أم كريم” بالشهامة والكرم، ما إن تأتيك الصدفة وتجلس في المقهى الذي تديره حتى تجد سيدة بـ “100 راجل”، يحترمها الزبائن ويقدرها جيرانها ومعارفها، فقد قررت أن تعمل وحدها في المقهى بعد أن مرض زوجها، ولم تكن الأسرة تتحمل غلق مصدر دخلها الوحيد.

في غضون أسابيع قليلة تأقلمت “أم كريم” مع الوضع، عرفت طلبات كل زبون، وما يحتاجه المقهى من تدبير وبضاعة وبضحكتها التي تعكس كثيرًا من الرضا والقناعة حافظت على رواد مقهى زوجها.

تقول “أم كريم”، إن لديها ثلاث فتيات جميعهن في مراحل تعليمية مختلفة، وفي بداية الأمر كانت تواجه رفضهن لعملها في المقهى، لكن زوجها دعمها، خصوصًا والمسئوليات تزيد على عاتقه، وظل يوجهها وينصحها، ومرت الأيام ونجحت في مهمتها التي لم تكن تتخيل أن تضعها الظروف في طريقها، حتى أن الجميع يشهد لها بجودة “الطلبات” خصوصًا الشاي والقهوة.

لم تواجه أم كريم أزمة في التعامل مع الزبائن الرجال، توضح “الجميع حولي يدعمني، خصوصًا من الجيران والمعارف والزبائن الذين أعرفهم منذ فترة طويلة، لكن بعض السيدات يتعاملن معي بكبر، لا أتوقف عن العمل ولن أتوقف طالما كنت أعمل في مهنة شريفة وأتعامل مع الجميع باحترام”.

“ستينية في عالم السباكة”

ومن مقهى بالحسين، إلى ورشة صغيرة في الدرب الأحمر، حيث “أم باسم”، التي تعد أشهر سبّاكة في المنطقة، وقد نجحت في جذب الكثير من العملاء ليس فقط لحسن تعاملها مع زبائنها، وإنما لجودة خدماتها، حتى أنها تفخر دائمًا بأنها تعلمت كل ما يمكن تعلمه في هذه الحرفة.

ورغم أن “السباكة” كحرفة لا تناسب النساء، إلا أنها بعد أن انفصلت عن زوجها ظلت تبحث عن مهنة شريفة لتكون مصدر دخل لها وأطفالها، فأشار إليها أحد المعارف بدورة تدريبية في “السباحة”، وكانت البداية في حياتها المهنية الجديدة.

تعيش “أم باسم” مع ثلاثة أبناء، بعد أن انفصلت عن زوجها، وتنظم مواعيدها بحسب احتياجات أولادها ومدارسهم، وتهتم بإعداد طعام الغداء لهم ومتابعة المذاكرة اليومية، كما أنها تحثهم على التفوق وتعلم حرفة مناسبة لكل منهم في الصيف، لمساعدتها في مشوارها.

في حقيبة السيدة تجد أدوات السباكة كلها، لأنها دائمًا على استعداد لتلقي اتصال هاتفي من أحد الزبائن لتقدم خدماتها بكل فخر وامتنان، ومنذ العام 2017 و”أم باسم” تجوب شوارع الدرب الأحمر إذ يطلبها الناس لثقتهم فيها، فضلا عن مهارتها، لكنها في الأشهر الأخيرة نجحت في فتح ورشة صغيرة لتقديم بعض الخدمات المتعلقة بالصيانة داخلها.

“مهنة الحدادة.. حين تتطاير ألسنة اللهب”

وفي مدينة المنصورة، داخل ورشة صغيرة تقف “بوسي” في هذا المكان الذي ورثته عن أبيها، لتكمل مشواره المهني في هذه الحرفة الشاقة، وسط ألسنة اللهب وأجواء التحدي، لتضرب نموذجًا جديدًا يضاف إلى سجلات النساء اللائي يعملن في مهن شاقة.

تبلغ بوسي 34 عامًا، وتعمل في الورشة حوالي عشر ساعات، ويعرفها الجميع بالاحترافية في صناعة أعمال الحدادة في مدينة المنصورة التي ولدت وعاشت بها، كما تعيش وسط النيران المنصهرة لتشكّل أجسامًا متنوعة، بحسب ما يطلبه الزبائن.

رحل والد “بوسي” منذ أن كانت في الصف الثاني الابتدائي، وتركها مع 11 شقيقًا وشقيقة، لكنها قررت أن تواصل مسيرته في ورشته، وتساعد في تربية أشقائها، ضاربة عرض الحائط نظرات كل الذين يسخرون منها.

استمرت حياة الفتاة الثلاثينية حتى تزوجت وقررت مواصلة العمل بالورشة لمساعدة زوجها وأشقائها في حياتهم، لكنها تعرف كيف تنظم واجباتها الحياتية بين أطفالها وورشتها ومسئولياتها تجاه أهلها.

                       “ورشة الأسطى أم هبة”

التقيتُ الأسطى “أم هبة” أكثر من مرة، كان آخرها في دورة تدريبية ينظمها المجلس القومي للمرأة، أصبحت تحرص على تلقي الدورات التدريبية، لتتعلم التسويق وتفهم آليات إدارة المشروعات الصغيرة، لكن اللقاء الأول بيننا، قبل أشهر، كان داخل ورشتها في مدينة دمياط، قدمت لي الشاي في هذا المكان الذي تعتبره حلمها، كان الشقاء يرتسم على وجهها.

بعد أن أوقفت صوت ماكينة تقطيع الأخشاب، قررت أن تسرد الحكاية، إذ توفي زوجها بعد أن ترك لها ابنة في الثانية من عمرها ومائة وخمسين جنيهًا لا غير أنفقت قبل مغرب اليوم السابع للوفاة وأصبحت هذه السيدة دون مأوى أو مصدر دخل.

تقول: الحياة بلا زوج أشبه بسفينة في عرض البحر تلاطمها الأمواج العاتية، ضاقت الدنيا بها، ولم تجد مفرًا من البحث عن وظيفة لتربية “هبة” دون أن تسأل الناس، في صباح يوم الأربعين قررت أن تتحدى الظروف الصعبة، وفي التحدي ألوان من العذاب لا تقوى امرأة على تحملها غير أن الأسطى أم هبة كانت بألف رجل.

قررت أن تنزل إلى ورشة زوجها، تعيد تشغيلها، وتعمل على ماكينة تقطيع الأخشاب التي كان قد اشتراها والد “هبة” قبل وفاته، أرادت أن تتعلم الحرفة فسألت في ذلك ابن أخيها الذي علمها كيفية اختيار الأخشاب وتقطيعها وبيعها في شكل “حلايا” تهم صناع الأثاث.

تعلمت الحرفة في شهرين اثنين فقط، بعد أن واجهت رفض أقاربها خشية كلام الناس، لكنها أقنعتهم جميعا أن العمل عبادة وليس عيبا وأفضل ألف مرة من سؤال الناس.

هبة طفلة تحتاج إلى الرعاية والتربية؛ ما جعل أمها تقسم أوقات يومها إلى ثلاثة، تطهو الطعام صباحا وتفطر مع ابنتها ثم تنام الطفلة وتنزل الأم لتمارس عملها في الورشة وتعود بعد صلاة المغرب إلى شقتها وطفلتها لترعاها وتحضر لها وجبة العشاء.

في ورشتها تتعامل الأسطى أم هبة مع زبائنها بكلمة شرف فلا تخلف موعدا ولا تؤخر طلبا ومعروفة بين الجميع أنها تتقن عملها. 

يعمل لدى الأسطى أم هبة بعض الصنايعية الذين يحترمونها ويقدرونها وهي أيضا تكافئهم جزاء عملهم.

“نجلاء.. أول (سواقة) في كفر الشيخ”

انتقلت نجلاء إلى محافظة كفر الشيخ، بعد أن كانت تعيش في القاهرة، وظلت تبحث عن عمل يدبر لها وأولادها الدخل المناسب، فاستغلت إجادتها لقيادة السيارات، وقررت أن تعمل في توصيل المشاوير وكذلك التدريب على القيادة للنساء.

تقول نجلاء، إنها وجدت الكثير من الدعم ممن حولها، خصوصًا مع انتشار الفكرة، وبدأ التواصل عن طريق رقم التليفون وعُرفت باسم “أم حبيبة” بين الأسر، مشيرة إلى أن ابنها وابنتها يفخران بها وما تقدمه من مساندة لهما، موضحة أنها بدأت العمل في هذا المجال في العام 2011 وكانت أول امرأة تقود سيارة في شوارع كفر الشيخ، وتختتم حديثها: “الشغل مش عيب، وزي ما كنت بوصل أولادي وزمايلهم في كل مكان، النهاردة بوصل الزباين والأسر اللي بتحب تتعامل معايا وبتثق فيا برضه، طالما لقمةا لعيش بالحلال يبقى لازم نحمد ربنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com