
جواهريات ..
“ مُر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب “ ..
هكذا رأى عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _الشعر ، ولطالما استحسن المرء من الشعر ما تميل له النفس، ويطلبه العقل، ويكون مسوّغًا لعلو الخلق حتى بقي في الذاكرة ، فورِد منه لاقتباس أو مجاراة خطاب أو ترجيح صواب أو تبيان خطأ
الشعر أيها القارئ الكريم ، هو صفحات تاريخ، وذكرى بطولات، ومجد حضارات، ولقاء الهوى، ولوعة الجوى وإرث الحكمة، وصولة الأمة ، ولا شك أنّه ديوان العرب وكتاب أيامهم أوسَمَ الشعرُ في قائله وناقله وحافظه ، وأسبغ عليهم من مضامينه الجزلة وديباجته الرفيعة مادام المرء يجيد اختيار المنهل .
خذ نصيبك منه وما أخْذِك إلا رفعة لمكنونك ، ووجاهة لمنطوقك ، ولا يحتم الأمر أن يكون المرء شاعرًا ؛ ليخوض في ساحة الشعر انتقاء وقراءة وحفظًا وتذوقًا .
فرُب ذائقة استطابت عيشًا مع روض الشعر ونسيمه وتأملاته ونظرته للحياة ، ومعرفة السجايا والأقوام والقصص التي اندثرت ، وبقي ذكرها على جدار أبيات موزونة أو حرة أو منثورة ، فاعقد مع نفسك ميثاق صلة مع أبيات تنتقيها تجالسها أو تسامرها ، أو تفتح جفن الصباح على صدر بيت فيه من الحكمة ، وعجز بيت آخر فيه من النسيب، وقصيدة أخرى من سالف الأمم، ومقطوعة ثالثة من أحدث الشعر وجديده.
اطلق عليها زمام أمرك ، واستشعر دواخلها تأملها خاطبها، ولو يصل بك الأمر لنقدها وإبداء رأيك فيها فإنّك بذلك نهلت منها جزل القول وامتطيت الثقة في الرأي ، وسموت بفكرك ونهجك ولغتك ، وتوسّع في الأخذ مما يختلف مع نظرتك وتوجهك ؛؟حتى يصل بك الأمر لخوضه وتعيش تجربته ، ولربما ثقَّفت المعوج من مفاهيم، وهذّبت بقية المعاني عندك ، وأسندتَ إليها الحصيف من الرؤى والرأي ، أو أدركت وتيقنت من صوابك بعد رؤيتك لمناحي شتى مختلفة .
أما ترى جليس الشعر يطنب في قوله ويقلّده السحر من نبع الشعر ؟
من صواب ودليل قويم ويخوض في أخبار الأقوام ويأتي منها بقصص وأمثال وحكمة ، فيرقى لسانه ويعلو بيانه و يربو فهمه .
وما إن اتكأ أمام قصيدة إلا أحس أنها تحدثه ، وتنقّب عن شعوره فتعرضه حتى ارتاحت رِكابه أمامها ، واستراحت من السعي نحو فهم دواخله فالشعر زاد العقول وريّ القلوب .