زاوية جواهريات ..
لاشك أن هذه الحياة يوجد بها الجمال وخِلافه، وأجزم أننا نتفق على ذلك ،وأن الأدب والفن ساهما في إظهار هذا الجمال، فالفن هو ذلك المحسوس والمادي الذي أخرج أجمل ما في الوجود واستنطق ذائقتنا، وأتت تلك الحالة الوجدانية التي انبثقت حينما شاهدت هذا الجمال وأفصحت بالتعبير عن جماله وروعته، فالفن منه الجميل والجميل يظهره الفن. ونتساءل هنا أما للقبح نصيب في الظهور ؟
إذا أمعنا النظر سنجد الفن قد أجزل في صنيعه وأتى ببديعه وأظهر لنا الجمال حتى مال له القلب و تفوهت الألسن واصفة جماله مطلقة ذلك الحكم، وأين حظ القبح إذًا سؤال يتردد ؟ .هناك تأمل لطيف يقول: أن للقبح إطلالة جمال فأطلقوا بصائركم . عمل الفن جاهدًا ليظهر لنا القبح بصورة تقنع ذائقتنا بالرغم من قباحته، فالإطار جميل والصورة الظاهرة تنتمي للفنون السامية، ولا يريد الفن أن يجمّل الظاهر ويدلّس المضمون فيكون تضليلًا، وإنما الذي يريده هو أن يرسل القبح كما هو في مضمونه قبيحًا تنفر منه النفس لأنه يجب أن يظهر للملأ ولا يعتّم الرؤية بل يجلّيها حتى نتعظ و نأخذ الخبرات والتجارب والمواقف بالتالي تستهجنه الأنفس وتلوذ لصوابها ولا تطأ أرضًا موحلة. وفي ذلك أمثلة كثير : فمسرحيات شكسبير التراجيدية والمأساوية كيف أوصلها لنا جمال الأدب والفن مع قبح الحالة الشعورية؟ فلم تصل لإقناعنا إلا لجمال الإخراج، ولم يحرك قلوبنا ويهيّض حزنها إلا جمال الحبكة وواقعية الأدب والفن، ونعرّج على رثاء الأندلس العظيم في قصيدة أبو البقاء الرندي، الحرف يغصّ حزنًا والبيت تلو البيت يجر خُطا الندم ، والشطر الأول من القصيدة يضرب كفًا بكف حسرة وشجنًا لما فات من مجد، ولا تقول عنها إلا أنها من روائع القصيد، وحينما نقول الفن يأتي الرسم حاضرًا فهذه اللوحة الشهيرة للرسّام الإسباني بابلو بيكاسو بعنوان ( المأساة ) ما إن يراها المرء إلا ينفر مما ترسل له من رسائل تتصل بالقلب فورًا ، ولكن تتمهل العين متأملة جمال الفن الصامت المدوي بصوت اللون ووضوح زُرقته، والقبح متسيد قصص البخلاء، حكايا أبقى الجاحظ ذكرها وأخرجها لنا وسطّر فيها أسلوبهم ومواقفهم برصانة الحرف وجميل الوصف على بشاعة المعنى والفحوى ، وغيرها الكثير من الفنون المرئية والمسموعة والمقروءة. فالمثير في الأمر هنا أن الأدب والفن أبدعا في إظهار الجمال كما هو الحال في القُبح ، فأطلق عين تأملك في مداك وستدرك أكثر مما كنت تدرك وما كتبتُه هنا هو بقصد إثارة الانتباه نحو هذا المدى الشاسع الواسع، ولك أن تتأمل وتبصر أكثر بعين المتأمل وقلب المتدبر وعقل المتسائل المفكر .