المقالات

اليوم العالمي للتمريض

تحية فخر وإمتنان لجنود الرحمة والقوة الإقتصادية للنظام الصحي العالمي

في الثاني عشر من مايو من كل عام، يقف العالم إحترامًا وإجلالًا لمهنةٍ سامية، لا تُقاس بسنين الدراسة أو عدد الساعات، بل تُقاس بنبض الرحمة، وقوة الصبر، وعمق الإنسانية. إنه اليوم العالمي للتمريض، يوم نرفع فيه القبعة لجنود الظل، الذين يضيئون دروب المرضى بأمل لا ينطفئ، ويقفون في الصفوف الأولى لمواجهة الألم، والخوف، وحتى الموت.

التمريض… أكثر من مجرد مهنة

التمريض ليس مجرد وظيفة يؤديها الإنسان مقابل راتب، بل هو رسالة عظيمة، تستند إلى العطاء، التفاني، والإحساس العميق بالمسؤولية. الممرض لا يقتصر دوره على إعطاء الدواء أو متابعة المؤشرات الحيوية، بل هو القلب النابض خلف كل خطة علاج، وهو الجسر الذي يربط بين الطبيب والمريض، بين العلم والرحمة.

في لحظات الضعف الجسدي، وفي أشد أوقات الألم، يكون الممرض أول من يلمح دمعة المريض، وأول من يربت على كتفه بكلمة طمأنينة، وابتسامة صادقة لا تنبع من شفاه متكلفة، بل من روحٍ اعتادت أن تكون مع الآخر لا عليه.

بطولة لا تُروى بما يكفي

كم من مريض خرج من سريره لا يتذكر تفاصيل العملية، لكنه يتذكر تلك الممرض أو الممرضة التي سهرَت بجانبه، وتلك اليد التي أمسكت بيده وهو في أشد حالات الهلع؟
وكم من طفلٍ في وحدة العناية، كانت الممرضة هي “الأم المؤقتة”، تهمس له بلغة لا يسمعها إلا من عاش التمريض حبًا، لا واجبًا؟

الممرضون والممرضات هم الجنود الصامتون في معارك الحياة اليومية داخل المستشفيات. هم من واجهوا الجوائح والأوبئة من الصفوف الأمامية، ودفع بعضهم حياته ثمنًا لالتزامه لم ننسى أيام كورونا ، كانوا هم من يحمون الأرواح التي فقدنا من هم الكثير في وطننا ، هم من عملوا ساعات طويلة دون نوم، وسهر طويل وإرهاق جسدي ونفسي ورغم ذلك… لم يتراجعوا.

التمريض… نبض الحياة ومصدر الأمل

في هذا اليوم الذي خصصه العالم للاحتفاء بمهنة لا تشبه أي مهنة، نقف أمام التمريض وقفة إحترام وإمتنان، لا لمجرد ما يقدمه من خدمات، بل لما يمثّله من إنسانية خالصة، وصبر لا يُضاهى، وحب خفي لا يُطلب عليه مقابل.

التمريض هو الحياة حين تُهدى للآخر.
هو ذاك الحضور الصامت الذي يُشعرك بالأمان دون أن يتكلم.
هو ذاك القلب الذي ينبض لأجل غيره، والعين التي لا تغفو إلا بعد أن تطمئن أن الجميع بخير.

مهنة في قلب العاصفة

حين تضطرب الأمور، وحين يحتد المرض، وحين يفقد الناس توازنهم من الخوف أو الألم، يكون الممرض هو أول من يصل وآخر من يغادر.
يتنقل بين غرف المرضى، لا تهمه ساعات ولا يقيده التعب، يوزع الطمأنينة بلغة الجسد، يربط بين التكنولوجيا الحديثة وبين الحنان البشري.

في أيام الجائحة، رأينا وجوههم خلف الأقنعة… أعينًا مرهقة لكنها ثابتة.
في الحروب والكوارث، لم يترددوا أن يكونوا هناك، بين الألم والدم، فقط لأنهم اختاروا أن يكونوا “مع الحياة”

التمريض: علم، ومهارة، ورسالة

يخطئ من يظن أن التمريض مجرد “مساعدة” للطبيب أو “تنفيذ” للأوامر.
التمريض علم مستقل، قائم على الفهم العميق للجسد والروح معًا.
كل إجراء تمريضي، من العناية بالجروح إلى قراءة المؤشرات الحيوية، يتم بحذر ودقة ومعرفة، لأن الممرض مسؤول عن التفاصيل التي تصنع الفارق بين الحياة والموت.

وفوق كل ذلك، التمريض رسالة إنسانية تحملها الأرواح القوية، التي اختارت أن تتعامل مع الضعف الإنساني دون تذمر، ومع الألم البشري دون انكسار.

ليسوا مجرد موظفين… بل حماة الروح

الممرض لا يُقاس بأدواته، بل بطريقة إنصاته، ونبرة صوته حين يقول: “لا تقلق، أنا هنا.”
هو من يلاحظ إرتجافة خوف، أو دمعة صامتة، أو تغير لون شفاه، أو ضعف نبض… دون أن يُطلب منه.
هو من يُسند الظهر في الألم، ويجبر الخاطر في الوحدة، ويُذكّر كل مريض أنه ليس وحده في المعركة.
إن رفعة المجتمع تُقاس بمقدار ما يكرّم حُماته في الظل.
والممرضون والممرضات هم أولئك الذين وقفوا طويلًا خلف ستائر الطوارئ، وفي غرف العناية، وبين صرخات الأطفال وكبار السن، يزرعون الأمل رغم تعبهم.

ختامًا… شكرًا للممرضين والممرضات في كل مكان في العالم.

أنتم لستم فقط جزءًا من النظام الصحي…
أنتم روح النظام الصحي.

أنتم لستم مهنة تُدرَّس فقط…
أنتم قيمة تُعاش.

فليكن هذا اليوم العالمي محطة لردّ الجميل، بالكلمة الطيبة، والدعم الحقيقي، والنظر إلى هذه المهنة كما تستحق: أعظم ما وهبته الإنسانية لنفسها

التمريض ليس حكاية مهنة… بل حكاية وطن تفتخر بها أجيال في كل الأوطان.


قائد ورئيس زمالة السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث

علي أحمد عسيري

قائد ورئيس زمالة تمريض الأورام - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى