حين يشتدّ التوتر وتعلو أصوات المدافع، تبرز المملكة العربية السعودية بصمتها الدبلوماسية المميّزة، لا كلاعب عابر، بل كقوة هادئة تصنع الفرق وتحمي الاستقرار. في الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان، كان للدور السعودي حضور فعّال أعاد الأمل، وأثبت مجدداً أن دبلوماسية الرياض لا تنحني أمام العواصف، بل تفرض مساراً للحكمة وتفتح أبواب التهدئة.
لم يكن تدخل السعودية في محادثات وقف إطلاق النار بين الجارتين النوويتين تدخلاً بروتوكولياً ولا مبادرة رمزية، بل جاء من موقع المسؤولية، ومن مكانة إقليمية ودولية عززتها سنوات من الثبات على مبدأ: لا بديل عن السلام، ولا كرامة في الصمت على الدماء. فبحنكة سياسية وبصوت موزون، دخلت المملكة على خط الأزمة لتقرّب المسافات، لا لتبحث عن مجد، بل لترسي تقاليد في الوساطة تُحتذى.
وقد أكّد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في تصريح مقتضب، أنّ “المملكة لن تألو جهداً في سبيل تهدئة التوتر بين الدول الشقيقة والصديقة، وأن الحوار وحده هو السبيل لحماية أمن الشعوب وتجنيبها ويلات الحروب”.
وليس ذلك بجديد على المملكة، التي تتبنى، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سياسة خارجية متزنة قائمة على تغليب صوت العقل وبناء جسور التواصل. كما قال سموه في تصريح سابق: “طموحنا أن نعيش في عالم يضع فيه الجميع السلاح جانباً، ويتجه نحو التنمية، هذا هو خيارنا، وهذا ما ندعو إليه دون كلل.”
ردّ الفعل الباكستاني، الرسمي والشعبي، كان واضحاً وصريحاً: السعودية لا تقف على الحياد حين تمسّ الأزمات أمن الشعوب، بل تبادر، تدعم، وتنتصر للسلام. “وقفة لا تُنسى”، هكذا وصفها الباكستانيون، لأنهم يعرفون أن المملكة ليست غريبة عن قيم الشهامة، ولا عن منطق الأخوة الإسلامية.
الحدث، وإن بدا آنياً، يندرج ضمن مسار طويل رسمته الدبلوماسية السعودية في السنوات الأخيرة، من اليمن إلى السودان، ومن لبنان إلى أوكرانيا. في كل تلك المحطات، كانت الرياض نقطة توازن، ومنصة حوار، وصوتاً عاقلاً في عالم يضجّ بالصراعات. وما كان لذلك أن يتحقق لولا قيادة تضع السلم الإقليمي والعالمي في صميم رؤيتها، وتبني على قاعدة أن استقرار الجيران هو جزء من أمنها القومي، وأن حل الأزمات بالحوار هو الخيار الأوحد في زمن الإنهاك الجيوسياسي.
السعودية، اليوم، لم تعد فقط قبلة دينية أو قوة اقتصادية، بل باتت مرجعاً دبلوماسياً، تحظى بثقة الأطراف المتنازعة، وتُحسب لها الكلمة حين تُقال. وفي زمن فقدت فيه الكثير من القوى التقليدية مصداقيتها، تبرز المملكة بكونها دولة تحترم كلمتها، وتُنجز في الظل ما تعجز عنه المزايدات في العلن.
إن الموقف السعودي تجاه أزمة الهند وباكستان ليس مجرد محطة، بل هو تأكيد جديد على أن المملكة تكتب تاريخاً دبلوماسياً مغايراً: بلا صخب، وبلا استعراض، بل بإرادة صلبة تضع السلام في صدارة أولوياتها.