تطورت لغة الجسد من كونها موضوعًا فلسفيًّا إلى لغة متكاملة وعلمٍ مستقلٍّ يُدرَّس في البروتوكولات الدبلوماسية على وجه الخصوص. اليوم، يُعتبر إتقان لغة الجسد شرطًا أساسيًّا للقادة، حيث تعكس ليس فقط شخصياتهم، بل أيضًا استراتيجيات دولهم في التفاوض أو فرض النفوذ. وكما قال العالم الفرنسي ميرلوبونتي أحد أبرز ممثلي الفينومينولوجيا، وهي مدرسة فلسفية تركز على دراسة التجربة الإنسانية من منظور مباشر: “الجسد هو النافذة التي نرى منها العالم”.
عندما تتوجه العيون إلى القادة فإن لغة فريدة تنتقل بشكل أحادي إلى الجمهور مفسرة باختصار آلاف الكلمات من خلال حركة الجسد والإيماءات لتصبح تفسيراته “تريندات” تفسر مقاصد القادة والمشاهير.
الحركة العفوية في “ضم اليدين إلى الصدر” من قبل سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إبان خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين وافق – خلال خطابه – على توصية سموه برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، حققت الـ “تريند” الأوسع انتشاراً على الوسائط حيث جاءت كرمزية للعرفان والثقة لضيف المملكة.
العديد من قادة العالم استخدموا لغة الجسد، وقد شاع استخدام حركات اليد وأصابع النصر ووضع الخطر وطلب النجدة وغيرها، فالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان يعتمد استخدام إشارة اليد المرفوعة عند التحدث مع الجمهور، مما يعكس الثقة والسلطة. تحولت هذه الحركة إلى تريند بين الشباب كرمز للقيادة الفعالة.
أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو فيستخدم حركة اليد المفتوحة أثناء خطاباته، مما يرمز إلى الشفافية والانفتاح. أصبحت هذه الحركة شائعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم لتشجيع الحوار والتواصل.
فيما عرف عن الرئيس ترامب إبان ولايته السابقة استخدام حركة القبضة المغلقة أثناء خطاباته، مما يعكس القوة والعزيمة. وقد انتشرت تلك الإيماءة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبات يقلدها العديد من الأشخاص كرمز للنجاح.
أيضاً استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش حركة الذراعين المفتوحتين لاستقبال الجمهور، مما يعكس الترحيب والانفتاح. أصبحت هذه الحركة شائعة بين القادة حيث تعبر عن الود والاستقبال.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستخدم الإشارة بالسبابة أثناء الحديث لتأكيد نقاطه، مما يعكس الثقة والسلطة. أصبحت هذه الحركة رمزاً للقيادة في السياقات السياسية الفلسطينية.
فيما تكرر ظهور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يضع يديه خلف ظهره، حيث ترمز هذه اللغة إلى الهيمنة والثقة بالنفس، وتعزز الهيبة وتقلل من ظهور الإشارات العصبية اللاإرادية. بينما كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يتميز بالوقوف المعتدل مع وضع اليدين على الخصر، مما يعكس الثقة والقوة، وهذه الحركة لا تزال تُقتبس في الخطابات السياسية حتى اليوم.
ويستخدم قادة مثل فولوديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين حركات يد ممتدة أثناء الخطابات، مما يعزز تصور الجمهور لهم كقادة مهيمنين. وهناك واقعة يتم تدريسها كمنهج، وذلك حين قام الرئيس التركي أردوغان بتعديل جلسته لوضع رجله اليمنى فوق اليسرى ردًا على وضعية باراك أوباما، كرمز للسيادة وعدم التبعية.
الشاعرة الأمريكية أماندا جوردن استخدمت إيماءة رفع الحواجب أثناء إلقاء قصيدتها في حفل تنصيب بايدن، مما أعطى إحساساً بالثقة والإيجابية. انتشرت هذه الإيماءة كجزء من ثقافة التعبير عن المشاعر. تلك الحركات تُظهر كيف يمكن للإيماءات الجسدية أن تصبح رموزاً ثقافية وتعكس مشاعر القادة والمشاهير أثناء تواصلهم مع الجمهور، وكيف يمكن لحركات القادة والمشاهير أن تعكس شخصياتهم وتعبر عن رسائلهم بفعالية، مما يساهم في تشكيل انطباعات الجمهور عنهم.
في الحضارات اليونانية والرومانية القديمة، كانت لغة الجسد جزءًا من الخطاب السياسي. فشيشرون، الخطيب الروماني، أكد أن حركات الجسد تعبر عن “مشاعر الروح والجسد”، واستخدم القادة للإيماءات تعزز خطاباتهم. فعلى سبيل المثال، كانت إيماءات اليدين تُستخدم لتأكيد السلطة أو استرضاء الجماهير، بينما كانت تعابير الوجه تعكس الثقة أو الغضب، ووضع القدمين فوق بعضهما عند الجلوس قبالة شخص آخر دلالة على تسيد الموقف وعلو المكانة.
في الفلسفة اليونانية، رغم احتقار أفلاطون للجسد باعتباره “سجنًا للروح”، إلا أن التوازن بين الجسد والنفس كان يُعتبر أساسًا للحكمة، مما أثر على تصرفات القادة الذين سعوا لإظهار التوازن بين القوة والهدوء.
وفي علم العلاقات العامة هناك شخصية تسمى “رجل الظل” تعمل خلف الكواليس، ومن بين مهامه العديدة توجيه الشخصية القيادية من موقع الجمهور لمزيد من التفاعل، مستخدمًا مهارات لغة الجسد لإدارة التواصل بين المسؤول والجمهور.

0