المقالات

اللون في السينما.. بوصلة المشهد وبوابة الهوية

حين تفتح السينما نافذتها الأولى على المتلقي، فإن أول ما يصل إليه ليس الحوار أو القصة، بل الصورة… وتحديدًا اللون. فاللون في الفيلم ليس مجرّد زينة بصرية، بل هو عنصر سردي يحمل في طياته مشاعر، رموزًا، وتلميحات تتسلل إلى وعي المشاهد لتبني تجربة لا تُنسى.

في دراسة حديثة تناولت أثر النظم اللونية على الهوية البصرية للعمل السينمائي، تكشف النتائج أن اللون يلعب دورًا محوريًا في تشكيل الإحساس العام للفيلم، ويُستخدم كأداة لإبراز الزمن والمكان والحالة النفسية وحتى الصراعات الداخلية للشخصيات. لا يُفهم اللون هنا بوصفه شيئًا زخرفيًا، بل كلغة صامتة توازي الكاميرا في قوتها التعبيرية.

استخدام اللون بشكل مدروس يتيح لصانع الفيلم الإمساك بخيوط التجربة البصرية للمشاهد، فيوجهه دون أن يشعر، ويمنحه مفاتيح لفهم الشخصية أو إدراك التحول الدرامي في السرد. فكل درجة، وكل ظل، تحمل دلالة، وقد تصنع فرقًا بين فيلم يُحفظ في الذاكرة وآخر يُنسى سريعًا.

توصي الدراسة بضرورة أن يعي اصحاب العمل السينمائي والمصممون البصريون بأن اللون ليس قرارًا جمالياً فقط، بل هو قرار درامي وبنائي، يرتبط بتركيبة المشهد ووقعه العاطفي، بل وحتى بإيقاع الفيلم. فالهوية البصرية، التي تُمثّل البصمة الفريدة لكل عمل، تُصاغ في كثير من الأحيان عبر قرارات لونية دقيقة، تمثل الجسر الصامت بين الشاشة وعين المتفرج.

ومع تطور أدوات الإنتاج وتعدد المنصات، يبقى اللون أحد أهم أعمدة التعبير السينمائي، عنصرًا يحمل بداخل طيفه سردًا موازيًا، ولغة لا تحتاج ترجمة، لكنها تنفذ إلى عمق الشعور.

اللون في السينما ليس خيارًا… بل استراتيجية هوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى