أبرز الأخبار

عبدالجواد ياسين: جماعة الإخوان تعتمد منهج التسلل الناعم للمؤسسات الفرنسية

بدأت بعض المجتمعات الغربية في إدراك وجود تهديد تمثله جماعة الإخوان على نسيجها الوطني وقيمها ، وتشهد فرنسا حاليًا مناقشات مكثفة حول أنشطة جماعة الإخوان داخل الدولة، وآليات عملهم ومدى تأثيرهم على المجتمع الفرنسي. وقد ناقش مجلس الدفاع الوطني الفرنسي، برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، تقريرًا أمنيًا خطيرًا أعدته لجنة خاصة من المسؤولين والوزراء. حذر التقرير بشكل صريح من تنامي نفوذ جماعة الإخوان في الضواحي الفرنسية، مؤكدًا أن الجماعة تهدد التماسك الوطني وتشكل خطرًا على قيم الجمهورية.
وتكتسب هذه التحذيرات أهمية خاصة نظرًا لأن فرنسا تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، تُقدر بحوالي 6 ملايين مسلم. وتستغل جماعة الإخوان هذا الوجود من خلال إشرافها على عدد كبير من الجمعيات الدينية والمساجد، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى في مجالات متنوعة، مما يمنحها تأثيرًا كبيرًا داخل الدولة الفرنسية

استراتيجية “التسلل الناعم” والتغلغل في المجتمعات الغربية

تمكنت الجماعة من توسيع نشاطها في الغرب، متغلغلة بشكل كبير في تلك المجتمعات مستفيدة من القوانين الديمقراطية ومناخ الحرية المتاح. ووفقًا للمفكر المصري عبد الجواد ياسين، فإن هناك علاقة “توظيف متبادل” بين الغرب والإخوان، حيث يوظف الغرب بعض التيارات الإسلامية ومنها الإخوان لتحقيق أهدافه، مقابل توظيف هذه التيارات للغرب في الحصول على مساحة لممارسة أنشطتها.
إلى جانب ذلك، تسعى الإخوان لتحقيق أهداف أخرى من تواجدها في الغرب، منها التأثير على الرأي العام الغربي تجاه قضايا الجماعة، وكسب الدعم الغربي لها مقابل تكوين موقف مضاد للأنظمة العربية التي تعاديها. كما تسعى لنشر الفكرة الإخوانية انطلاقًا من فكرة عالمية الدعوة، وتنسيق ودعم الفروع العالمية، وتوفير ملاذات آمنة لقياداتها في أوقات الصدام مع الأنظمة العربية، بالإضافة إلى تلقي التمويلات عبر المؤسسات الخيرية والاقتصادية والتعليمية التابعة للتنظيم الدولي.

إسلاموية خجولة” تهدد العلمانية الفرنسية
بدأت جماعة الإخوان في الظهور في أوروبا منذ الستينيات، وحظيت بإمكانات مالية كبيرة مكنتها من نسج شبكة ضخمة من الخدمات الاجتماعية والدينية. ويصف الباحث سمير أمغار تنظيم الإخوان في أوروبا بأنه “تيار فكري ذو تأثير ومرونة يمتد إلى شتى المجالات .
تتبع جماعة الإخوان نمطًا متشابهًا في العمل داخل المجتمعات، حيث تستخدم استراتيجية “التسلل الناعم” الذي يهدف إلى التغيير المتدرج والتغلغل داخل مؤسسات المجتمع بشكل طبيعي. وصف وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، طريقة عمل الجماعة بأنها “إسلاموية خجولة”، في إشارة إلى عملها على التغلغل بطريقة سلسة وناعمة في مؤسسات الدولة لإحداث تغيير على المدى البعيد.
ويصف التقرير الأمني الفرنسي التهديد الذي تمثله الجماعة بأنه ليس تهديدًا عنيفًا مباشرًا كالجماعات الجهادية، ولكنه تهديد طويل الأمد يتمثل في التآكل التدريجي لقيم العلمانية الفرنسية، وتهديد بنزعة انفصالية من خلال خلق مجتمعات موازية وبديلة داخل المجتمع الفرنسي، مما يهدد التماسك الوطني.

الإخوان تنظيم مخادع يُظهر ما لا يُبطن ويقول علنًا ما يخالف عقيدته السرية.

ويشير وزير الداخلية الفرنسي إلى أن الإخوان يعملون في جميع المجالات بالمجتمع، ويشكلون شبكات في الرياضة والتعليم والطب والعدالة والثقافة والمنظمات الطلابية والنقابية والسياسية والجمعيات. كما يقومون بإعطاء تعليمات للتصويت في الانتخابات، ويوقعون شراكات اقتصادية مع العلامات التجارية الكبرى. وتشير دراسات ألمانية إلى أن الجماعة تنظيم مخادع يُظهر ما لا يُبطن، ويقول علنًا ما يخالف عقيدته السرية.
في فرنسا، تعمل الجماعة من خلال “اتحاد المنظمات الإسلامية” الذي غيّر اسمه لاحقًا ليصبح “مسلمي فرنسا”. ويتبع هذا الاتحاد 250 جمعية دينية إسلامية تعمل في مجالات خيرية وتعليمية وثقافية وبحثية وإغاثية، وتشرف على مجموعة كبيرة من المساجد التي تمارس من خلالها الدعوة واستقطاب الأفراد. كما تعمل على السيطرة على الجالية المسلمة واحتكار الحديث باسمها. وتشير دراسة لمركز “تريندز” للأبحاث إلى أن الإخوان يمتلكون شبكة واسعة من العلاقات داخل المجتمع الفرنسي، تمكنهم من التسلل إلى الجامعات والنقابات والأحزاب السياسية وغيرها من المؤسسات. ويشرف على هذه العملية عدد من المؤسسات التابعة للجماعة في فرنسا مثل منظمة “مسلمو فرنسا”، و”مجلس الإفتاء للمسلمين في فرنسا”، و”رابطة الطلاب المسلمين”، و”المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية”.
يتضح من كل ذلك أن جماعة الإخوان، بطبيعة تنظيمها القائم على السرية والغموض، وإيديولوجيتها الإقصائية، ونزعتها الانفصالية، ورفضها لفكرة الدولة الوطنية، واستراتيجيتها في التسلل الناعم، تحمل عيوبًا بنيوية تجعل منها عبئًا على أي مجتمع توجد فيه، وتهديدًا لأنظمة الحكم والديمقراطيات، ولجميع التيارات السياسية والفكرية المختلفة معها، مما يجعل الصدام محطة رئيسية في مسارها، والإخفاق نتيجة حتمية في تجربتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى