تمرّ أيام الحج كوميضٍ سماويّ، تتسارع كأنها تخشى أن تُثقل كاهل الزمن، لكنها في قلوب من عاشها تُقيم طويلاً، بل تُخلّد. ليست أيامًا كغيرها، بل محطات إيمانية تتبدّل فيها الأحوال وتُغسل فيها الأرواح بماء الرجاء والدعاء.
ويبلغ هذا الموسم ذروته العظمى في يومٍ ليس له مثيل… يوم عرفة. اليوم الذي يُنادى فيه في السماء، ويُباهي الله بأهل الأرض، وتُسكب فيه الدموع كما تُسكب الأمنيات. يومٌ تتجلّى فيه الرحمة الإلهية بنزولٍ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فتتسابق الأرواح بالضراعة، وتُرفع الأكفّ بوعد القبول، ويذوب الحقد والضغينة أمام عظمة الغفران.
من دخل يوم عرفة بقلبٍ حي، خرج منه بقلبٍ جديد… يوم تُغفر فيه الذنوب، وتُجبر فيه القلوب. ومن ذاق حلاوته، ما عاد قلبه كما كان، بل يبكي على فواته، ويتمنّى لو طالت ساعاته أو تكررت مواقيته.
ثم تأتي بقية الأيام، ترفل بالخيرات وتفيض بالسكينة، وكأنها هدايا التائبين، وغنائم العابدين، فتتوزع بركة الدعاء الذي أُطلق في أيامٍ معلومة، وتُكتب به أرزاق ومغفرة وعتق من النار.
فإذا انقضت، تخلّف وراءها شوقًا لا يُوصف، وحنينًا يُعرف، وحالة روحية يضيق عنها التعبير، حتى وُصف ذلك بما يُشبه اكتئاب ما بعد الحج، إذ لا شيء بعدها يشبهها، ولا زمن يضاهي لحظاتها.
هي أيام الحج العجيبة، وفي قلبها يوم عرفة العظيم… من عرفها، عرف أن الزمان يطيب بها، وأن القرب من الله فيها لا يُقارن.
مع خالص الدعاء بأن يبلغنا الله فضل هذه الأيام ويكتب لنا فيها القبول والمغفرة.
• مديرة الاتصال المؤسسي
كلية الباحة الأهلية للعلوم
جمال الكلام النابع من رقي الفكر وغزارة الثقافة وشرف الزمان وطيب المكان .. كلها عوامل تجمعت في هذا المقال الرائع
تحية من القلب
مبدعة دائماً أستاذة عزة
عبارات متناسقة وأسلوب سهل وكلمات صادقة
مباركة أينما كنتي