المقالات

إعلام الحج.. الرسالة الدافئة والقوة الناعمة

في كل عام، تتدفق القلوب قبل الأقدام إلى مكة، وتبدأ الحكاية. حكاية لا يرويها الحجاج وحدهم، بل يشاركهم فيها الإعلام، ذاك الراوي الذي لا ينام، والذي أصبح شريكًا صادقًا في تفاصيل الرحلة الكبرى، من أول خطوة في المطارات إلى آخر دمعة في عرفات.
لا يمكن الحديث عن الحج دون الحديث عن الصوت الذي ينقل الحكايات، والصورة التي تجسّد المشاعر، والكلمة التي تبني الجسر بين قلب الحاج وقلب العالم. هنا يبدأ دور الإعلام، ليس كأداة نقل، بل كنافذة دافئة تطل منها الإنسانية على مشهد لا يتكرر.
في أحد المخيمات، كان “عبدالرحمن” من إندونيسيا يمسك بسبحته القديمة التي ورثها عن والده، بينما يروي لمراسل تلفزيوني أنه ادّخر لثمانية عشر عامًا ليصل إلى هذه اللحظة. كانت الكاميرا تسجل، والصوت يختنق بين الحروف، لكنه لم يكن بحاجة إلى الكثير من الكلمات. قال فقط: “أنا هنا عن أمي… ماتت ولم تحج، فجئت أنا بدعائها.” كانت تلك الجملة كافية ليمتلئ البث المباشر بالدموع في قارات لا تعرف حتى لغة عبدالرحمن، لكنها فهمت شعوره.
الإعلام في موسم الحج لم يعد نشاطًا موسميًا، بل أصبح فعلاً إنسانيًا وروحيًا. لا يصور الحشود بقدر ما يصور القلوب. ولا يلاحق الأخبار بقدر ما يلاحق القصص. ففي مشعر منى، تجد كاميرا تتبع شابًا من نيجيريا يبتسم وهو يحمل والده على كرسي متحرك، وفي مزدلفة، تقف مراسلة تُجري مقابلة مع امرأة في السبعين من عمرها جاءت وحدها من كازاخستان، وتحكي أنها باعت ما تملك من مجوهرات كي تؤدي المناسك.
هذه المشاهد هي التي تشكّل الصورة الحقيقية للحج. صورة القوة الناعمة التي لا تُفرض، بل تُعاش. المملكة العربية السعودية، من خلال إعلامها، لا تروّج لنفسها، بل تفتح للعالم نافذة على كرمها وتنظيمها، على احتضانها للتنوع، وعلى إدارتها الرحيمة لأعظم تجمّع بشري سنوي على وجه الأرض.
ولا يمكن الحديث عن إعلام الحج دون الإشارة إلى الجهود العظيمة التي تبذلها دولتنا المملكة العربية السعودية، بتوجيهات القيادة الرشيدة، لإثراء تجربة الحاج وخدمته، عبر منظومة متكاملة يقودها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وتنفذها وزارة الحج والعمرة، وبدعم وتكامل جميع الجهات الحكومية والخاصة. وفي قلب هذه المنظومة يقف الإعلام السعودي، بقيادة معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري، الذي سخّر كافة الإمكانات لنقل الرسالة الإعلامية بصورة أكثر وعيًا وانتظامًا، ولتمكين الكفاءات السعودية في الصفوف الأمامية لهذا العمل الإعلامي الوطني والإنساني. فالرسالة الإعلامية اليوم تقدير للكلمة، وتعظيم لدور عظيم تقوده المملكة، يحمل للعالم صورة الإسلام الحقيقية، ورسالة السلام، ويعكس حجم الجهود التي تُبذل لخدمة ضيوف الرحمن.
فجأة، لم يعد الحج خبرًا في نشرة، بل أصبح قصة في وجدان الشعوب. ولأن الإعلام يحمل هذه القصص بأمانة، تحولت التغطية إلى رسالة دافئة تصل للقلوب، وتعيد تعريف الإسلام لدى من لا يعرفه. ليس كدين شعائر فقط، بل كدين عدل ورحمة وتنظيم واحترام.
في كل لقطة، هناك درس. وفي كل صوت يُنقل، هناك دعوة للتأمل. وفي كل رحلة حج تُروى، هناك إعلام صادق، يحمل الرسالة لا على الورق، بل في نبض الصورة، ونبرة الصوت، وصدق الكلمة. هكذا يكون إعلام الحج: قوة ناعمة لا تُرى، لكنها تُحس. ورسالة لا تُفرض، بل تُلهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى