في تجربة ذاتية ثرية ومكاشفة صادقة، روى الأديب حسين بافقيه كيف انتقل قلمه من ضيق المنهج وتكلّف الكتابة إلى متعة الانسياب وعزف البيانو على لوحة المفاتيح، مؤكدًا أن الكتابة لم تكن طريقًا سهلًا، بل مرّت عليه مراحل من الصراع والعناد والعجز عن التقدّم في السطور.
وأوضح بافقيه أن بداياته مع الكتابة كانت شاقة، إذ كان القلم يعانده والسطور ترفضه، حتى شعر أحيانًا أنه “يمحل ويصحَر” رغم حداثة سنه في عالم الأدب. وأضاف أن محاولاته لكتابة مقال أو فقرة كانت تنتهي غالبًا عند نقطة الصفر، فيرتدّ حزينًا ويمنح نفسه مهلة لعلّ الكتابة تستجيب لاحقًا، لكنها لا تفعل.
هذا الجمود، كما قال، لم يكن سببه فقط صعوبة الكتابة، بل أيضًا قسوة المناهج العلمية التي كُبّل بها عقله في البدايات، حيث ظن أن الإبداع يجب أن يتوشح “رُوحَ العلم” ويتقيد بمساطر صارمة، فبنى بينه وبين قلمه جدارًا من التنظير، وكان المنهج عنده سجناً أكثر من كونه أداةً.
لكنّ بافقيه يشير إلى أنه أدرك لاحقًا ضرورة التحرر من ذلك القيد، ووجد الإلهام في كتّاب عصر النهضة الذين جمعوا بين الفكر والبيان، فكتب كما يكتبون، بلا تكلف ولا مشقة، حتى لان له القلم، وأصبح الفصل الذي يشرع فيه يُتمم نفسه بانسيابية.
واعتبر أن أعظم ما تعلّمه من النقاد، وخصوصًا شكري عيّاد، أن المنهج لا يجب أن يكون سيدًا يُستعبَد له الكاتب، بل روحًا ذائبة في فكره، تستجيب لحاجة النص لا العكس.
وعن لحظة التحوّل الحاسمة، قال بافقيه: “لما انتهجت هذا الطريق، واستعنت بلوحة المفاتيح، خُيّل إلي أنني أعزف لحنًا جديدًا على البيانو”، في تعبير بليغ يلخص تلاقي الحرف بالموسيقى، والوجدان بالعقل، والكتابة بالحرية.