مثلما أن العصامي الأمريكي وليم ديورانت وثب من قعر الفقر ومن دون تعليم ليصبح أكبر مُنتِج للسيارات في أمريكا حتى إنه تفوق على هنري فورد نفسه المبتكر الأول لصناعة السيارات …..
كذلك فعل البريطاني سيسيل جون رودس فبعد أن حصل على الثانوية سجل في كلية أورييل بأكسفورد ولكنه انقطع بعد فصل واحد فقط مكتفيا بشهادة المرحلة الثانوية ….
إن كاتبي سيرته يختلفون في سبب انقطاعه المبكر عن الدراسة فالبعض يقول بأنه كان يعاني من ضيق التنفس وبأن الأطباء نصحوه بأن ينتقل من جو بريطانيا المشبع بالرطوبة إلى جو جاف أما البعض الآخر فيرى بأنه ما كاد يبدأ الدراسة في السنة الأولى من الكلية حتى سرت شائعات عن وجود الألماس في أفريقيا …..
المهم أن سيسيل جون رودس انطلق إلى أفريقيا وغرق في غبار نبش وحفر الأرض في أفريقيا بحثًا عن الألماس وكان كثيرون يحفرون وينبشون ثم يَمَلُّون بسرعة فقرر أن يشتري كل المواقع وكان الآخرون جاهزين للبيع لأنهم يئسوا من الحفر دون نتيجة فاشترى المواقع كلها واحدًا بعد آخر بأثمان زهيدة فصار المكان كله ملكه فأنشأ شركة الألماس التي صارت الشركة الوحيدة في العالم التي تحتكر استخراج وتعدين وبيع الألماس وتتحكم به في كل العالم …..
لكن هذا المغامر لم يكتف بأن يستولي على كل مواقع البحث عن الألماس وإنما أعلن دولة تحمل اسمه (روديسيا) وظلت هذه الدولة العنصرية قائمة عقودًا طويلة وهي تحمل اسم الشاب المغامر الذي قدم من بريطانيا إلى أفريقيا بحثًا عن الألماس والثراء …..
يقول هاري مكنيكول في كتابه (ستة من رجال الأعمال): ((وبعد ثلاث سنوات من كشف الماسة الأولى كنتَ تشاهد شابًّا نحيفًا في الثامنة عشرة من عمره يلبس ثيابًا قذرة وقد انهمك في الحفر وغَرْبَلَة كومة من التراب كان اسمه سيسيل جون رودس لم تكن العين تقع على شجرة أو عشبة فلم يكن هناك إلا الغبار والأرض الصلبة وصمَّم هذا الشاب النحيل على امتلاك الموقع كله فكان كلما أصاب الحظّ العاثر رجلًا من رجال التعدين فثبطت همته عمد رودس إلى شراء حقه فلم يمض عليه وقتٌ طويل حتى صار يربح مائة جنيه في الأسبوع وكان يكدح طول النهار وهو يفرز أكوام الأتربة المتجمعة من الحُفَر العميقة)) ويضيف: ((أصبح رودس غنيا وأصبحت جميع مناجم الألماس في أيدي رودس)) ويضيف: ((هذا الرجل العظيم قد أظهر عبقرية وضَّاءة بوصفه رجل أعمال ورجل سياسة استخدم ثروته الطائلة في بناء جامعة ومد خطوط حديدية وأقام سدًّا ضخمًا وقد رصد قسمًا من ثروته للمنح الدراسية لإرسال الأفريقيين للجامعات الغربية))
هذا الرجل العبقري اكتفى من التعليم بالمرحلة الثانوية وأغرق نفسه في غبار أفريقيا فكوَّن ثروة طائلة ثم أعلن قيام دولة تحمل اسمه (رودسيا) وظلت هذه الدولة قائمة تحمل اسمه حتى بعد وفاته وحين تقلص الاستعمار استقل أهل روديسيا وألغوا الاسم الاستعماري وانقسمت البلد إلى وطنين:
روديسيا الشمالية استقلت وألغت اسم روديسيا لتصبح دولة مستقلة باسم زامبيا
روديسيا الجنوبية استقلت وألغت اسم روديسيا لتصبح دولة مستقلة باسم زيمبابوي
رغم أن رودس ينتمي إلى نظام استعماري بغيض لكن مبادراته ونجاحاته يجب أن يتم التعرف إليها فهو نموذج خارق من نماذج النجاح …..
إنني في هذه المقالات القصيرة أُبرز ذوي القدرات الاستثنائية الخارقة وليس حتما أن يكون أصحاب القدرة خيِّرين لأن تكوين القدرات يكون في مجالات الخير كما يكون في مجالات مضادة إن أعمال رودس من نماذج القدرات الاستثنائية الخارقة فيجب أن يتم التعرف عليه كنموذج للنجاح الخارق ثم إن لأعماله جوانب خيرية في التنمية والتعليم ووضع الوطن ضمن مسار تنموي وعمومًا أنا يهمني إبراز كيفية بناء القدرات والكفايات …….

0