لفت نظري مؤخرًا ما كتبه الأستاذ الدكتور عبدالله الغدامي على منصة “إكس”، حيث قال:
“أشعر اليوم بعزوف عن كل شيء حتى مجرد القراءة
يبدو أني قد أرهقت نفسي عملاً
لدرجة أن قررت نفسي أخذ إجازة مني ولو ليوم …
من طبعي تدليع مزاجي إذا تعكنن معي”.
كلمات قليلة، لكنها عميقة وتضرب على وتر حساس نعانيه جميعًا – تلك اللحظة التي نشعر فيها أن النفس قد أُنهِكت، ولم تعد قادرة حتى على أبسط الطقوس التي كانت تسعدنا.
أنا شخصيًا لا أكتفي بيوم واحد. فإذا كان الدكتور عبدالله يمنح نفسه إجازة ليوم، فأنا أعتقد أن النفس – حين تتكدر، وتضيق ذرعًا بكل شيء – تستحق أن تُدلل بعدد من الأيام، لا بيوم واحد فقط. كيف نُطالب النفس بالعودة إلى بكامل عافيتها بعد 24 ساعة؟ هذا أشبه بأن نطلب من هاتف فارغ البطارية أن يعمل بكفاءة بعد دقيقة شحن!
وهكذا فإن بعض النفوس تحتاج إلى فترة أطول للتعافي، خاصة إذا كانت تمنح العالم الكثير من طاقتها وإبداعاتها “العزيزية”!!
بين الانسحاب المؤقت والإنهاك المزمن
الحديث عن “إجازة من النفس” ليس ترفًا، بل حاجة. في زمن تُرهقنا فيه التفاصيل الصغيرة، وتُحاصرنا فيه الإشعارات والتنبيهات، وتُستنزف فيه طاقتنا بين توقعات العمل ومسؤوليات الحياة، لا بد من وقفة. إجازة من التفكير، من التخطيط، من الإنجاز… بل من “الذات” نفسها حين تصبح عبئًا ثقيلًا على الروح.
قد يظن البعض أن طلب الإجازة من النفس هو نوع من التهاون أو الكسل. لكنه في الحقيقة شكل متقدم من الوعي بالذات. أن تدرك أن استمرارية العطاء مرهونة بالتوقف أحيانًا. أن تُنقذ نفسك من نفسك، قبل أن تتحول طاقتك الإيجابية إلى رماد.
ترف الاعتراف والإفلات المؤقت
من أكثر الأمور التي نُخفيها عن الآخرين – وربما عن أنفسنا – هو شعورنا بالإنهاك الداخلي. فنحن نعيش في ثقافة تُقدّس “الصمود”، وتُروّج أن الراحة ضعف، وأن التوقف هروب. لكن الحقيقة أن الإنسان ليس آلة. والصمت عن حاجة النفس للراحة قد يقودنا إلى ما هو أخطر: اللامبالاة، أو حتى الانفجار.
من المهم أن نُقرّ أن “تدليع النفس” – كما عبّر د. عبدالله – ليس نقيضًا للرصانة أو النضج، بل هو جزء من الاتزان. فأن تُدلل مزاجك حين يتعكر، يعني أنك تُنقذ علاقتك مع نفسك من أن تتعفن.
عن شرعية الغياب المؤقت
أحيانًا، نحتاج إلى الانسحاب لا لكي ننهزم، بل لنستعيد أنفسنا. نغلق الهاتف. نغيب عن الناس. نُطفئ عقولنا التي لا تكفّ عن التفكير. نُغني في الحمام، نتمدد في الشمس، نأكل شوكولاتة دون تأنيب ضمير، نُشاهد فيلمًا سخيفًا بلا هدف… نُمارس كل ما يعيد إلينا عفوية الحياة.
فليكن للكسل لحظة، وللراحة مكان، وللهدوء صوت. فالنفس لا تُشفى بالضغط، بل بالحُب، والتمهل، والاعتراف بأنها تستحق عناية واهتمامًا.
الخاتمة
في النهاية، “الإجازة من النفس” ليست هروبًا، بل هي إعادة شحن للطاقة وتجديد للرؤية. سواء كانت يومًا واحدًا كما يفضل الدكتور القثامي، أو أيامًا عديدة كما أرى أنا، المهم أن نتعلم أن نمنح أنفسنا حقها في الراحة والمرح.
*وأخيرًا…*
أدرك بالطبع أن شخصية ورزانة الدكتور عبدالله الغدامي لا توصله إلى ما بعد هذه النقطة في تدليع النفس… لكن بالنسبة لي، سأتمادى قليلاً وأخاطب نفسي، وأقول لها ما قاله الفنان إبراهيم عبدالرزاق رحمه الله: “كله يدلع نفسه .. يا عزوز !!”