كنت شاهد عيان على رحلة ايمانيه تسطّر في الذاكرة قبل أن تسجل في التقارير، موسم حج اجتمعت فيه الأرواح من شتى بقاع الأرض على صعيدٍ واحد، وكأنها خفقة قلب واحد، ودمعة واحدة، ودعوة واحدة.
لقد أثبتت القيادة الرشيدة، وعلى رأسها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد مسؤولية، بل شرف تُسخّر له الإمكانات وتُبذل في سبيله الطاقات، قيادة جعلت من راحة الحجاج وسلامتهم أولوية فوق كل اعتبار، فكانت الثمرة موسماً ناجحاً بكل المقاييس، في أمنه وتنظيمه، وإنسانيته.
وجاءت الرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين لتظلل موسم الحج بفيض من العناية، والتوجيه المستمر، والمتابعة الحثيثة، فسُخّرت كافة أجهزة الدولة لخدمة الحجيج، وشاهدنا مخرجات هذه الرعاية في كل تفصيل، من خيمة مهيأة، إلى طريق مُمهد، إلى ابتسامة صادقة على وجه كل من نال شرف الخدمة.
ولا يمكن أن تكتمل الصورة دون الإشادة بالدور المحوري الذي قامت به وزارة الحج والعمرة، بقيادة معالي الوزير الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، والتي برهنت هذا العام على مستوى عالٍ من الاحترافية والتكامل والتجديد.
لقد عملت الوزارة كعقل منظم لقلب نابض، ونسقت جهود الجهات، وأطلقت الخدمات الذكية، ورفعت جودة الأداء إلى مستويات تليق بمكانة المملكة وريادتها، فكانت منظومة الحج والعمرة مثالًا يُحتذى في العمل المؤسسي، والتخطيط المسبق، والتنفيذ الدقيق.
في قلب المشاعر، رأيت بنفسي كيف انسكبت الرحمة في كل زاوية، ترى الشاب يسند شيخًا لا يعرفه، وترى جنودًا تشرق وجوههم بابتسامة وهم يقدمون الماء ويمسحون عن وجوه الحجاج تعب المسير بدعاء خالص.
رأيت المسعفين يحملون حاجًا أرهقته حرارة الشمس كأنهم يحملون والدهم، وطبيبة تمسح جبين امرأة مسنة بعطف يشبه حنان الأم، وفرقًا طبية، وأمنية، وتنظيمية، ومتطوعين من كل الجهات، يعملون بروح واحدة لا تعرف التعب.
رأينا في كل مشهد عظمة الجهود وصدق النوايا؛ منظومة متكاملة من أعلى مسؤول إلى أصغر متطوع، يعملون جميعًا بعين على راحة الحجاج، وقلب يفيض حبًا لخدمتهم.
كانت التقنية حاضرة، والخدمات ذكية، والتنظيم دقيقًا، وحتى أدق التفاصيل خُطط لها بعناية؛ فحق لنا أن نفخر، وأن نرفع الرأس بهذا الأداء المشرف.
ختامًا، لم يكن موسم حج 1446هـ مجرد أرقام أو إحصاءات، بل كان قصصًا تروى، ودموعًا تُمسح، وقلوبًا اتجهت إلى السماء شاكرةً، داعيةً.
لقد ثبت بالقول والعمل أن خدمة الحاج في هذه البلاد ليست مهمة وظيفية، بل هي عهد راسخ، وشرف يُورث، ووسام يعلو به كل من ناله، قيادةً وشعبًا.
فهنيئًا لمن خدم، وهنيئًا لمن ساند، وهنيئًا لوطنٍ جعل من خدمة ضيوف الرحمن رسالة سامية تتجدد كل عام.
ودام عزك يا وطن، وكل عام وأنتم بخير.