المقالاتعام

“عادي”… الكلمة التي تقتل الجمال

في زحام الحياة وتسارع أحداثها، أصبحت كلمة “عادي” ملاذًا لغويًا نلوذ به حين تعجزنا الدهشة، أو نتكاسل عن الاعتراف بالجمال. هي كلمة تبدو بسيطة وعابرة، لكنها تحمل في طيّاتها خذلانًا صامتًا لكل ما يستحق الاحتفاء.

حين نصف مشهدًا مدهشًا، لوحة متقنة، فكرة خلاقة، أو حتى إنسانًا مميزًا بكلمة “عادي”، فإننا لا نمارس الحياد كما نظن، بل نقترف إساءة لغوية وجمالية في حق التميز. “عادي” لا تكتفي بإطفاء وهج اللحظة، بل تُجردها من بريقها، وتحول الاستثناء إلى مألوف، والنادر إلى شيء لا يستوقفنا.

هذه الكلمة تشبه الغيمة الرمادية التي تُلقي بظلها على نهار مشرق. لا تمطر، ولا تنقشع، فقط تحجب الضوء عن أعيننا، وتخنق ما تبقّى من انبهار في أرواحنا. فكم من لحظة فاتتنا لأننا قلنا عنها “عادية”؟ وكم من جمال مرّ أمامنا دون أن ننتبه، لأننا لم نعد نُحسن التأمل، ولا نملك وقتًا للانبهار؟

الأخطر أن “عادي” باتت مرآة لعجزنا: عن الوصف، عن التقدير، عن الإنصاف. صرنا نرددها حين تعجز الكلمات عن بلوغ مستوى الدهشة، أو حين نُفضّل الرتابة على الانفعال. وكأننا نخاف من الانبهار، فنخدر مشاعرنا بكلمة تقتل كل ما هو مختلف.

ليس كل ما لا نعرف كيف نصفه “عاديًا”، وليس كل ما يتكرر خاليًا من القيمة. أحيانًا، يتجدد الجمال في عين من يُجيد رؤيته، لا في الشيء ذاته. والمألوف قد يصبح معجزة إذا نظرنا إليه بقلب مفتوح.

لذا، لا تُطفئ نور المختلف بكلمةٍ باردة. ولا تُنزل الإبداع من عليائه لمجرد أنك لم تُدهش. إن لم تجد ما تقول، فالصمت أكرم.
أوَليس الصمتُ في حرمِ الجمالِ… جمالُ؟

• مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الاهلية للعلوم….

عزة عبدالرحمن الغامدي

مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الأهلية للعلوم

‫2 تعليقات

  1. مقال استثنائي وأقل ما يقال عنه أنه “غير عادي” … لا أعلم لمَ ابتسمت حينما استحضرت مواقف كان تعليق كلمة “عادي” يلقي برماديته المُبهتة غلالة تقتل جماله .. وصفك أصاب الحقيقة باقتدار.

    تحية طيبة لشخصك وقلمك الراقي.

  2. دائما تأسرني كتاباتك ولفتاتك الخاصة .. الغير عادية بالمرة
    المفيدة بامتياز .. والملهمة والموجهة والمرشدة ..
    أو إن شئت فقولي (كوكتيل موهبة وخبرة ودراسة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى