المقالاتعام

هل تكون كاليفورنيا بداية تفكك الإمبراطورية الأمريكية؟

سخر مني أحد الأصدقاء في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي عندما تحدثت عن احتمالية انفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة، وأعتقد أنه أخذ يلوم نفسه بعد أن أصبح العديد من الكتاب والصحفيين – الأمريكيين بشكل خاص- يتحدثون عن هذا الموضوع الذي أصبح موضوع الساعة.
المفارقة هنا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الذي يتحدث فيه عن نية أمريكا ضم كندا لتصبح الولاية 51 وشراء جرينلاند، فإن إحدى كبرى ولاياته وأغناها تفكر جديًا في الانفصال!… وأنا في هذا المقال الذي أرد فيه على سخرية هذا الصديق، الذي يفتقر إلى أبسط معاني الذوق، أعود لأتحدث عن هذا الموضوع المهم، وأذكر أولاً بالقاعدة الذهبية للمؤرخ العظيم أرنولد توينبي بأن كل الإمبراطوريات تصل إلى الذروة ثم تبدأ بالانهيار، وهو ما سجله التاريخ في كل مراحله بدءًا من الإمبراطورية الرومانية حتى الإمبراطورية العثمانية ثم الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، والذي لابد وأن يحدث لوريثتها الإمبراطورية الأمريكية شئنا أم أبينا.
رأينا كيف ازدادت الاضطرابات وأحداث الشغب الأخيرة التي شهدتها مدينة لوس أنجلس الأمريكية كبرى مدن ولاية كاليفورنيا حدة على إثر قرار الرئيس دونالد ترامب إرسال قوات من الحرس الوطني ومشاة البحرية للتصدي للاحتجاجات التي اندلعت في المدينة على إثر حملة إدارته على الهجرة، وهو القرار الذي عارضه حاكم الولاية جافين نيوسوم، مما دعا البعض إلى التساؤل : هل حان الوقت لكاليفورنيا للانفصال ومغادرة الولايات المتحدة الأمريكية ؟ علمًا بأن دعاوى الانفصال تلك التي تشهدها الولاية الآن ليست الأولى من نوعها ، فقد سبق وأن ظهرت على إثر موجة الحرائق الكبرى التي شهدتها الولاية قبل خمسة أشهر.
واقعيًا تبدو عملية الانفصال معقدة وصعبة للغاية لعدة أسباب، فكاليفوريا تمثل العصب الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، ووفقًا لبيانات الاقتصاد العالمي لعام 2024 الصادرة عن صندوق النقد الدولي، وبيانات مكتب التحليل الاقتصادي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لولاية كاليفورنيا 4.1 تريليون دولار، متجاوزاً اليابان التي بلغت 4.02 تريليون دولار، لتحتل كاليفورنيا المرتبة الرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا، كما أن الدستور الأمريكي ينص القسم الأول في المادة الثالثة منه
على أن كاليفورنيا “جزء لا يتجزأ من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها غير قابلة للانفصال”.
أما تبعات ما بعد الانفصال فتحمل العديد من العقبات والمصاعب والتحديات، أقلها أن جمهورية كاليفورنيا المستقلة ستصبح بالنسبة لأمريكا كوبا رقم 2، كما هو الحال في معظم الجهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي.
لكن بالرغم من ذلك تزداد احتمالات وإمكانية انفصال الولاية الذهبية في وجود الحقائق الآتية:
– فكرة أن تصبح ولاية كاليفورنيا دولة مستقلة ليست جديدة، بل إنها أصبحت أمة لمدة 25 يومًا بعد ثورة علم الدب عام 1846 التي لا تزال تحتفل بها حتى اليوم.
– أعادت أحداث كاليفورنيا الحديث عن الولايات الأمريكية التي انضمت للحكومة الفيدرالية سواءً بالقوة أو الشراء، ولو حدث انفصال من قبل ولاية كاليفورنيا، فإن ذلك سيكون بداية لانفراط العقد لولايات أمريكية أخرى، وللتذكير فإن هناك 15 ولاية أمريكية تم ضمها بالشراء، من أبرزها نيو مكسيكو وتكساس وكولورادو ولويزيانا ونيو أورلينز. كما أن الآسكا الغنية بالنفط اشترتها أمريكا من روسيا القيصرية بمبلغ 5 مليون دولار فقط. علمًا بأن روسيا تطالب باستردادها منذ فترة طويلة.
– كاليفورنيا ولاية يسارية وتقدمية في كثير من الأحيان، وقد حصل ترامب على 38% من أصواتها في انتخابات العام الماضي، وهي ولاية أمريكية منذ 175 عامًا فقط.
– أثبتت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وجود أزمة في التنسيق بين الفيدرالي والمحلي، وتصدعًا بين المركزي والولايات.
– يرى بعض المراقبين أن أحداث كاليفورنيا ليست مجرد احتجاجات على مداهمات الهجرة أو اشتباكات مع قوات الأمن، وإنما هي مرآة لأزمات أعمق تضرب صميم السياسة الأميركية، بدءا من أزمة الشرعية الدستورية، وصولا إلى أزمة الهوية والانقسام الثقافي.
التصعيد الذي شهدته الولاية، وامتداد الاضطرابات إلى ولايات أخرى مؤشر خطير على أن القادم أخطر، وأن هناك تبدو في الأفق احتمالات ليس فقط لحركات انفصالية في الولايات، وإنما أيضًا لإمكانية اندلاع حرب أهلية (ثانية) ربما تؤدي إلى تفكك الإمبراطورية الأمريكية برمتها!.

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى