في أوقاتٍ تُختبر فيها الجغرافيا، وتُفضح فيها النوايا،
يتحدث المجال الجوي بلغة لا مجال فيها للحياد الكاذب ولا المجاملة السياسية.
وحين كثّفت الطائرات مساراتها فوق الأجواء السعودية، لم تكن تبحث عن مسافة أقصر، بل عن دولة تستحق الثقة.
لم تكن تلك لحظة استجابة لأزمة…
بل لحظة كشف لما بنته المملكة في هدوء، عبر سنوات من الرؤية، والإصلاح، والعمل.
إنه حصاد مشروع لم يبدأ بالبنية التحتية، بل بدأ بالإنسان.
منذ انطلاقة رؤية 2030، لم يكن الهدف تحويل الاقتصاد فحسب، بل تحويل العلاقة بين الدولة وحركة الملاحة الجوية:
كيف تُدير مجالك الجوي دون أن تعتدي على غيرك؟
كيف تنهض بـقطاع الطيران دون أن تُقصي أحدًا؟
كيف تزرع القوة، دون أن تلوّح بها؟
السعودية لم تكن في الفضاء الجوي الدولي لأنها فرضت نفسها، بل لأنها ارتقت.
ارتقت بقيم الحياد الصادق، وبنَفَس الدولة التي تنمو لنفسها لا على حساب أحد.
لم تُخضع مجالها الجوي لأي اصطفاف سياسي، بل أبقته مفتوحًا وفق مبدأ السيادة، ومبدأ السلام.
ومع كل ذلك، لم يكن السلام شعارًا تزيينيًا، بل نهجًا تشغيليًا.
فبينما أغلقت دولٌ مساراتها الجوية لأسباب سياسية،
كانت المملكة تسيّر حركة الملاحة وفق منطق السيادة لا المزاج،
منطق الإنقاذ لا الاصطفاف،
منطق الدولة التي ترى في الطائرات امتدادًا لحركة الإنسان، لا سلاحًا في وجهه.
وفي قلب هذه اللحظة الجوية الحاسمة، لم يكن من يقود غرفة العمليات عن بُعد فقط…
بل كانوا شباب وشابات هذا الوطن، أبناء شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية (SANS)، الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم الأجواء وتأمين سلامة حركة الطائرات.
وقفوا بكل ثقة في أبراج المراقبة، ومراكز التوجيه، وغرف التحكم بالرادارات،
ينظمون العالم في صمت،
ويثبتون للعالم أن الكوادر السعودية ليست جزءًا من الرؤية… بل هي من تُنجزها.
وحين تكلّمت الأرقام، كانت المملكة حاضرة في كل تقرير:
• نسبة 94.4% في تقييم أمن الملاحة الجوية الدولية من منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)
• أكثر من 820 ألف رحلة عبرت الأجواء السعودية في عام واحد
• شبكة مسارات جوية مزدوجة تغطي كامل المجال الجوي
• شركات مطارات تُدار بعقود أداء، لا بمراسيم عاجلة
• برامج وطنية متقدمة لتأهيل الكفاءات السعودية في هندسة الطيران والمراقبة الجوية
لكن ما لا تقوله الأرقام هو الأهم:
أن هذه الدولة لم تنظر لـالمجال الجوي كـ “مورد”، بل كـ “رسالة”…
رسالة مفادها أن الأمن حين يُدار بعقل، والسلام حين يُصان بسيادة،
تصبح الدولة ممرًا لا يُخشى، بل يُلجأ إليه.
واليوم، لا تمر الطائرات فحسب… بل تُعلن بدون أن تنطق،
أن المملكة في قلب الملاحة الإقليمية، لا لأنها تتوسط الخريطة،
بل لأنها تحمي الفضاء الجوي من الداخل، وتضيّق هوامش الفوضى حولها.
ولذلك، حين ضاقت المسارات الدولية،
لم تكن السعودية مجرد خيار.
كانت النجاة.
وحين سُئلت الأجواء:
من تبقّى لا يتورّط، لا يتراجع، لا يتهاون؟
من يبني دون تهديد، ويُنجز دون ضوضاء؟
من ترفع له الدول أعينها احترامًا، وتُسلم له المجال الجوي عن رضا؟
كان الجواب:
حين أصبحت السعودية في قلب الملاحة الجوية… ومصدر نجاة للطائرات.