المقالاتعام

خلِّي ولي!!

إن التغافل والتغاضي عن أخطاء الغير يُورث راحة البال وطمأنينة النفس، لا سيما إذا كان التغاضي والتغافل ليس ضعفًا ولا عجزًا.

من أعظم وأجمل الحكم في هذا المجال تلك التي صاغها الحكماء الهنود قديمًا، وتمَّت صياغتها باللغة العربية، ولن تتكرر أبدًا في أي لغة أخرى، وهي الحكمة القائلة: “خلِّي ولي”.

هذه الحكمة أو العبارة (الهندية) البليغة تعني “دعه يمر” أو “اترك الأمور تمضي”، وباللغة المسفلاوية الشائعة “أتركك منه”، أو كما كان الوالد -رحمه الله- يردد أمامنا الحكمة الشعبية البليغة القائلة: “فوت كلمة تفوتك ألف كلمة”.

فالحكمة الهندية “خلِّي ولي”، تعبِّر عن فلسفة التغاضي والتغافل والتساهل مع صغائر الأمور وعدم الاهتمام بها؛ وقد وصف العرب قديمًا ساداتهم، بالتغافل، دليلًا على السماحة والنبل في التعامل، فمدح الشاعر “الراعي النميري” أحدهم قائلًا:

كريمٌ يغضُّ الطرفَ فضلَ حيائه … ويدنو وأطراف الرماح دوانِ
وكالسيف إن لا ينتهِ لان مسُّهُ … وحداهُ إن خاشنتهُ خشِنانِ

ولا يُنبئك عما التغاضي والترفع عن سفائف الأمور كالأستاذ الأديب العربي حامل جائزة نوبل في الأدب الأستاذ “نجيب محفوظ”، إذ قال: “لتعيش مرتاح البال تجاهل القيل والقال”.

وأختم بقصة الإمام المحدث “وكيع بن الجراح”، محدث العراق الذي اشتهر بعلمه وفقهه، حتى قال عنه ابن عمار: “ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه”.

القصة كما وردت في كتاب “روضة العقلاء ونزهة الفضلاء”، الذي ألَّفه سنة 254هـ، القاضي “محمد بن حبان التميمي”، عندما شتم رجل وكيع، فقيل له: ألا ترد يا إمام؟ قال وكيع: “ولِمَ تعلمنا العلم إذًا؟”.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى