المقالات

دعهم يتطوّرون

لفتني تصريح لإحدى الكاتبات قالت فيه:
“لا نية لدي لإضافة شخصيات جديدة في الموسم القادم، سأكتفي بتطوير الشخصيات الموجودة.”

عبارة عابرة في ظاهرها، تبدو متعلقة بمسلسل درامي وحبكة متوقعة،
لكنها في جوهرها تطرق بابًا من أبواب الحياة لم نطرقه كثيرًا…
باب إعادة النظر، لا البحث عن البديل.

توقفت طويلًا عند المعنى الكامن خلف الكلمات.
كم من العلاقات خسرناها لأننا ظننا أن الحل في الاستغناء، لا في الإصلاح؟
كم من الأشخاص رأيناهم من زاوية واحدة فقط، ففقدنا فرصة اكتشاف العمق الذي كان ينتظر قليلًا من الصبر؟
وكم من الذوات أهملناها لأننا لم نمنحها حقّ التطور… تعاملنا معها وكأن ما كانت عليه في بدايتها هو ما ستبقى عليه للأبد؟

الحقيقة أن الشخصيات – في الروايات كما في الواقع – لا تُولد مكتملة،
ولا تتجلى ملامحها دفعة واحدة.
هي تمرّ بتقلّبات، تتحول، وتُعيد تشكيل نفسها كلما سنحت لها الفرصة.

حديث الكاتبة، وإن بدا مهنيًا، يحمل دعوة إنسانية عميقة:
دعوة لنتأنى،
أن نمنح من حولنا فرصة أن يصبحوا أفضل،
أن لا نختزلهم في أخطائهم الأولى ولا نختصرهم في لحظاتهم المرتبكة.

إننا لا نحتاج دائمًا إلى شخصيات جديدة في حياتنا،
بل نحتاج أحيانًا إلى نظرة جديدة لنفس الشخص.
إلى إيمان بأن ما لم يُبهرنا بالأمس، قد يضيء العالم إن منحناه القليل من الوقت والرغبة في الفهم.

ليست كل الحكايات بحاجة إلى أبطال جدد،
بعضها فقط بحاجة إلى من يُحسن الإصغاء، ويُتقن التمهّل، ويؤمن بأن النسخة الثانية قد تدهشنا أكثر من الأولى.

فلنُجرب أن نمنح الحياة من حولنا فرصة…
قد لا نحتاج لتغيير الطاقم، بل فقط لتغيير زاوية الرؤية.

وفي أحيان كثيرة…
لا تكون المعجزة في القادِم،
بل في نفس الوجوه التي اعتدناها،
حين يُنفض عنها غبار الحكم العجول…
ويُمنح لها أخيرًا حقها في التطوّر.

لأن بعض الحكايات لا تحتاج إلى أبطال جدد…
بل إلى قلبٍ يؤمن أن القديم، حين يُصقل، قد يدهشنا من جديد…

• مديرة الاتصال المؤسسي – كلية الباحة الأهلية للعلوم….

عزة عبدالرحمن الغامدي

مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الأهلية للعلوم

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. مبدعة ومتألقه
    حقاً يستحسن الصقل والبحث عن حلول بدلاً من البحث عن بديل .

  2. ما أعمق ما كتبتِ، وما أصدق هذا الوعي الجميل الذي يختبئ خلف كلماتك.
    في عبارة واحدة، قلتِ ما نعجز أحيانًا عن إدراكه بعد تجارب طويلة…
    أن بعض العلاقات لا تحتاج نهاية، بل فرصة.
    شكرًا لقلمك الذي لا يكتب فقط… بل يوقظ.

  3. من أعظم الدورات التي اخذتها في حياتي الإداريه هي كيف تصلح مالديك قبل التغيير .
    شكرا للكاتبه التي قالت كلمه عابره لكن كاتبتنا المميزه نبهت وشرحت وأيقظت

    دعهم يتطورون 👍
    ليست كل الحكايات بحاجة إلى أبطال جدد،
    بعضها فقط بحاجة إلى من يُحسن الإصغاء، ويُتقن التمهّل، ويؤمن بأن النسخة الثانية قد تدهشنا أكثر من الأولى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى