المقالات

احذر… فالأشياء لا تأتي وحدها، بل بتبعاتها

في لحظات الصفاء، حين يهدأ الزحام من حولنا، ويصفو الداخل من ضجيجه، ندرك أن كثيرًا مما اقتربنا منه في هذه الحياة لم يكن كما بدا أول وهلة.
كان مشرقًا، جاذبًا، يُلوّح لنا بصورة مثالية، فاقتربنا… وربما فتحنا له الأبواب دون شروط.
لكن سرعان ما تبيّن أن ما اقترب لم يأتِ وحده، بل جاء محمّلًا بتفاصيل خفية، بآثار مستترة، وبوجهٍ آخر لا يُرى في البداية. ذلك لأن الأشياء، مهما بدت صافية، لا تكون كذلك في جوهرها.
كل فكرة، وكل علاقة، وكل مشروع، وكل انتقال، بل حتى كل عادة جديدة، تحمل على ظهرها ما يُسمى بـ “التبعات”.
تلك التي لا تُعلن عن نفسها صراحة، ولا تظهر في عناوين البدايات، بل تتسرّب إليك في صمت، وتتشكل في زوايا يومك دون إذنٍ أو تصريح. ما نُقبل عليه طواعية لا يكون وحده.
فالقرارات التي نراها صائبة من زاوية، قد تكشف عن أعباء لم تُحسَب.
والأماكن التي نظنها راحة، قد تحمل نظامًا لا يشبهنا.
والأشخاص الذين نظنهم أنسًا، قد يُدخلوننا في دوائر لا نحتمل دورانها طويلًا.

والخطورة لا تكمن في الاقتراب بحد ذاته،
بل في الاقتراب دون وعيٍ كافٍ، دون نظرٍ بعيد، دون حسابٍ لما بعد الدقائق الأولى. فما يُبهرك اليوم، قد يُثقلك غدًا.
وما يُشعرك بالانتماء لحظة، قد يُصبح قيدًا لا يُكسر. ولأننا بشر، ننجذب لما يُقال لنا، ونُغفل أحيانًا عن ما يجب أن نسأل عنه.
فندخل التجربة — أيًا كانت — بقدمين من الحماسة، ثم نبدأ بطرح الأسئلة متأخرين، حين يصعب التراجع، أو حين يُصبح الخروج مكلفًا أكثر من الدخول. فما أكثر الذين تعبوا لا من الخيارات التي اتخذوها، بل من غفلتهم عن التبعات.
وما أكثر الذين حملوا أعباءً لم تكن لهم، لأنهم لم يُبصروا إلا السطح، وتجاهلوا العمق. لذلك، فإن النضج الحقيقي لا يُقاس بقدرتك على البدء، بل بقدرتك على التحمل، على البقاء، على فهم ما بعد اليوم الأول.
أن تُدرك منذ اللحظة الأولى أن لكل اقتراب وجهين، وأنك ستعيش مع الوجه الثاني أكثر بكثير من الأول..لستُ ممن يَحجُرون الواسع، ولا من تُعكر سوداوية النظر صفو رؤاهم، لكنني أوقن أن كل اقترابٍ يحمل في طيّاته ما هو أكثر من صورته الأولى، فما من شيءٍ يأتيك خالصًا…
بل يتقدّم إليك ومعه تبعاته، وأثره، وربما ثقله.
ففكّر، تمهّل، وتروَّ…
فالتبعات لا تُصرّح عن نفسها، لكنها دائمًا تصل قبلك إلى النهاية….

• مديرة الاتصال المؤسسي
كلية الباحة الأهليه للعلوم…

عزة عبدالرحمن الغامدي

مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الأهلية للعلوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى