وسط التعريفات المتعددة للثقافة، يبرز التعريف الذي ورد على لسان الأديب العالمي وصاحب “نوبل” نجيب محفوظ حين قال:” الثقافة أن تعرف نفسك، أن تعرف الناس، أن تعرف الأشياء والعلاقات، ونتيجة لذلك ستحسن التصرف فيم يلم بك من أطوار الحياة”.
وأرى أن هذا التعريف السحري للثقافة ينطبق على تلك المسيرة المضيئة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، ذلك الرجل الذي حقق المعادلة الصعبة في أن يكون الحاكم مثقفاً، وهو ما أدى إلى أن تكون الشارقة واحدة من أكبر مراكز الثقافة العربية والعالمية، بدليل معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي بات واحداً من أهم معارض الكتاب عربياً وعالمياً، فضلاً عن الجوائز الضخمة التي يرعاها د. القاسمي في مختلف الحقول الثقافية، ومنها جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجالات: الشعر الفصيح- القصة القصيرة- الرواية- النص المسرحي- النقد- أدب الأطفال.
وفضلاً عما سبق، أعتقد أنه من الإنجازات الثقافية الكبرى للشيخ د. سلطان القاسمي ذلك الامتداد المبهر لدوره الثقافي متمثلًا في ابنته الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، والتي تواصل من خلال الهيئة دوراً ثقافياً مميزاً يشهد به القاصي والداني.
والشيخة بدور هي مؤسِسة جمعية الناشرين الإماراتيين في عام 2009م، وقد ترأست الجمعية لعدة سنوات حققت خلالها إنجازات لا تُخطئها العين، ومنها عضوية الجمعية العاملة في الإتحاد الدولي للناشرين في عام 2012م.
وعلى الصعيد العالمي، تولت الشيخة بدور القاسمي منصب نائب رئيس الإتحاد الدولي للناشرين بين عامي (2019- 2020م)، إلى أن تولت منصب رئيس الإتحاد كأول إمرأة عربية ومسلمة تتولى هذا المنصب، وثاني إمرأة في العالم تتولاه بعد الأرجنتينية “آنا ماريا كابانيلاس” التي تولت رئاسة الاتحاد خلال الفترة ما بين عامي (2004 – 2008م).
وقد رسخّت بدور القاسمي رؤيتها في دعم صناعة الكتاب على المستوى العالمي عبر قيامها بإنشاء مؤسسة “ببلش هير” المعنية بدعم النساء في مجال النشر لتحقيق مبدأ “العدالة المفقودة” بين الناشرين والناشرات في تلك الصناعة المهمة على مستوى العالم.
ومن ناحية أخرى، أسست الشيخة بدور “مؤسسة كلمات”، والتي أطلقت عدة حملات لتمكين الأطفال بهدف توفير الكتب للاجئين والأطفال المتضررين من النزاعات والحروب حول العالم، كما أسست مجموعة “كلمات” المعنيّة بنشر كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية، فضلاً عن قيامها بتأسيس المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، الفرع الوطني لـ “المجلس الدولي لكتب اليافعين”.
وبتنوع الإنجازات الثقافية للشيخة بدور القاسمي، كان طبيعياً أن يلتفت العالم إليها ويقدرها، وهو ما تمثل في تلك الجوائز التي استحقت الحصول عليها، ومنها: الإنجاز الدولي غير المسبوق لدار نشر إماراتية وعربية حين فازت دار كلمات للنشر (إحدى شركات “مجموعة كلمات”) بجائزة أفضل ناشر في آسيا من معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال 2016م.
وآخر تلك الجوائز، فوز كتاب “بيت الحكمة” من تاليف الشيخة بدور القاسمي – والذي أطلقته “مجموعة كلمات”- بجائزة “بولونيا راجازي” المرموقة في أدب الأطفال لعام 2025م، وهي الجائزة التي تُمنح سنويًا في معرض بولونيا لكتاب الطفل منذ عام 1966م. ويأخذ الكتاب القراء الصغار في رحلة معرفية لاستكشاف تاريخ “بيت الحكمة” ببغداد، والمعروف أيضاً باسم “خزائن الحكمة”، الذي تأسس في العصر العباسي ليكون مركزاً للعلم والمعرفة منذ إنشائه على يد الخليفة هارون الرشيد، وازدهاره في عصر المأمون، وحتى سقوطه خلال الغزو المغولي بقيادة “هولاكو”.
وما زالت الشيخة بدور القاسمي تواصل رحلة الإبداع الثقافي إستلهاماً لرحلة المثقف الأكبر وراعي شجرة الثقافة العربية الشيخ د. سلطان القاسمي، وهو ما يثبت صحة المثل المصري الشهير “إبن الوز عوّام”.
(*) كاتب وصحافي مصري.

0