الراوي العليم هو مصطلح يُستخدم في الأدب والسرد القصصي للإشارة إلى راوٍ يمتلك معرفة شاملة بجميع جوانب القصة، وبما في ذلك أفكار الشخصيات الداخلية، ومشاعرهم، ودوافعهم، وأحداث الماضي والمستقبل. يتميز هذا النوع من الرواة بقدرته على تقديم رؤية واسعة ومتكاملة للقصة، مما يسمح للقارئ بفهم أعمق للشخصيات والسياق، يمتلك الراوي العليم إلمامًا تامًا بكل تفاصيل القصة، سواءً كانت أحداثًا ظاهرة أو خفية، مثل المشاعر السرية للشخصيات أو الأحداث التي لم تُكشف بعد، القدرة على اختراق العقول يمكنه الكشف عن أفكار الشخصيات ودوافعها الداخلية، حتى تلك التي لا تُعبَّر عنها صراحةً في الحوار أو الفعل.
والراوي العليم في السرد الأدبي يستخدم ضمير الغائب (هو/هي/هم)، ويمكنه التنقل بين وعي الشخصيات المختلفة، كما في رواية “الرسالة القرمزية لناثانيال هوثورن، اما الراوي العليم المحدود الذي يركز على وعي شخصية واحدة رئيسية، لكنه لا يزال قادرًا على تفسير دوافعها، مثل رواية **”1984” لجورج أورويل.
وهناكوالراوي المتعدد يستخدم عدة رواة عليمين لسرد القصة من زوايا مختلفة من بينها الراواي العليم ، مما يخلق تنوعًا في الرؤية، كما في “قلب الظلام” لجوزيف كونراد.
ودور الراوي العليم في تعميق القصة وياتي لكشف عن التعقيدات النفسية مثلًا، في رواية الأب كارامازوف لدوستويفسكي، يكشف الراوي عن الصراعات الداخلية للشخصيات الدينية والفلسفية، و قد يلمح الراوي إلى أحداث مستقبلية، مما يزيد من توتر القارئ.الراوي العليم يظل أداة أدبية قوية تثري النص وتجعل القارئ شاهدًا على عوالم متكاملة، شرطَ أن يُستخدم ببراعة لتجنب الإسهاب أو فقدان المصداقية، ويُعد الراوي العليم أحد أهم أساليب السرد في الرواية العربية الحديثة والمعاصرة، حيث يتمتع الراوي بمعرفة شاملة تفوق شخصيات الرواية، ويمتلك القدرة على الغوص في أعماقها ونقل أفكارها ومشاعرها وخبايا الزمان والمكان. إليك تحليلًا لهذه التقنية في السياق العربي، كما هي في روايةثلاثية نجيب محفوظ(بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، يصف الراوي مشاعر “سيد أحمد عبد الجواد” الدفينة وتناقضاته الأخلاقية بدقة.وفي روايات عبد الرحمن منيف(خاصة “مدن الملح”)، يربط الراوي بين تفاصيل حياة الشخصيات وتحولات المجتمع الخليجي تحت تأثير النفط،الراوي العليم في الرواية العربية ليس مجرد تقنية سردية، بل هو تقنية ورؤية فكرية تتيح للكاتب تشريح الواقع بمنظار واسع، وربط الفردي بالجماعي، والخاص بالعالمي. تطوره يعكس تحولات الرواية العربية نفسها: من الواقعية الاجتماعية إلى التمرد على اليقينيات. ورغم انتقادات “السلطة السردية” الموجهة إليه، يظل خيارًا جوهريًا لاستكشاف أعماق الذات العربية وتاريخها المعقد.
0


