
✍️جمعان البشيري
سبق وأن كتبت عن الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالمجتمع في مقالين سابقين، أولهما نُشر بتاريخ 23 أكتوبر 2024 تحت عنوان: “ورثة التكنولوجيا.. وداع افتراضي”.
أما الثاني، فقد جاء بعنوان: “الذكاء الاصطناعي إلى أين؟” ونُشر في 3 يونيو 2025.
لكن لم يسبق لي أن كتبت في هذا المنبر تحديدًا عن الذكاء الاصطناعي، وتحوّله من مجرد أداة تقنية إلى شريك حقيقي في صناعة المحتوى الصحفي، وأهمية أن نعيد تشكيل غرف التحرير لتستوعب هذا القادم الجديد، لا كبديل للإنسان، بل كمُعززٍ لطاقته ومهاراته.
ولم تلهمني فطنتي لتناول الدور المنتظر من المؤسسات الإعلامية في تمكين الجيل الجديد من أدوات الذكاء الاصطناعي، حتى لا نقف على هامش التحول، بل نكون من صانعيه.
ولعلّ ما كتبه الأستاذ الكبير محمد علي الزهراني، رئيس تحرير صحيفة المدينة الأسبق، في مقاله الرفيع : “مكة.. ريادة إعلامية بنكهة الذكاء الاصطناعي”، جاء تأكيدًا لذات الرؤية، وإن بصيغة أعمق، ونبرة أكثر وعيًا، وخبرة تنضح من بين السطور..!
رابط المقال :
https://www.makkahnews.sa/5465460.html#comment-83640
عندما يكتب الكبار، تصبح الكلمة مرآة للرؤية، ويغدو المقال شهادة ووفاء لتجربة تستحق أن تُروى.
لم تكن إشادة الأستاذ محمد علي بالزميل عبدالله الزهراني، رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية بلغة المجاملة، بل قدّم قراءة عميقة لتجربة تستحق الوقوف عندها طويلًا، ولم يكن ماكتبه مجرد مديح عابر، بل كانت قراءة ناضجة لتجربة فريدة، قاد فيها “أبو أحمد” الصحيفة وسط أمواج التغيير، وركب صهوة الذكاء الاصطناعي بإرادة من لا يخشى التجريب، ولا ينتظر الدعم كي يتحرك، بل يجعل من التحدي نقطة انطلاق.لتصبح صحيفة مكة الإلكترونية، تجربة تحوّلت من فكرة طموحة إلى منبر وطني رقمي، يواكب روح العصر ويتجاوز حدود الإمكانات.
إن إشادته برفيق الحرف والزمن، الزميل عبدالله الزهراني، لم تكن مجرد عرفان، بل اعتراف بصلابة إعلامي خاض التحدي في زمن التحولات، وراهن على الذكاء والإيمان رغم شحّ الأدوات، ليصنع من “مكة” منصة تستحق الريادة لا بالتقليد، بل بالتجديد.
صحيفة مكة، كما وصفها رئيس تحرير المدينة سابقا بدقة، لم تكن تسير على طريق ممهد، بل على أرض وعرة، صنعت منها مدرسة في الاجتهاد، وأثبتت أن الريادة لا تُقاس بحجم التمويل، بل بعمق الرؤية وصلابة القائد.
ولعلّ من أجمل ما في مقال الأستاذ محمد علي، أنه لم يكتفِ بتأريخ التجربة، بل وضع إصبعه على الجرح المهني الذي يؤرق كل غيور على مستقبل الإعلام الوطني، بالتلميح الذكي إلى دور وزارة الإعلام المنتظر، فهو تذكير صادق بأن العمل مهما بلغ من الإبداع، لا يغني عن الحاجة إلى حاضنة رسمية تتبنّى الكفاءات وتدعم التحولات
حين دعا إلى دعم مؤسسي حقيقي، تقوده وزارة الإعلام، لبناء كفاءات وطنية تتقن أدوات الذكاء الاصطناعي، وتُبدع في توظيفها لخدمة رسالتنا الإعلامية، لا لتقليد نماذج خارجية.
فالإعلام الذكي، كما قال، لا يُبنى بالخوارزميات وحدها، بل بالعقول التي تؤمن بأن التقنية وسيلة لا غاية، وتُدرك أن الذكاء الحقيقي هو في تمكين الإنسان أولًا، وأن الخبر لا يُكتب فقط بالحروف، بل بالبصيرة.!
همزة وصل :
تحية لكاتب هذا المقال الذي جمع بين الاحتراف والوفاء، وبين نقد التجربة وتحفيزها.
وهكذا يُكتب الإعلاميون الكبار حين لا يساوموا على شرف الكلمة، و يجتمع الذكاء بالحكمة، وتلتقي الرؤية بالرسالة.!