في مشهد إعلامي يتغير بوتيرة متسارعة خطت صحيفة “مكة” الإلكترونية خطوة جريئة نحو المستقبل باعتماد أسلوب البودكاست كأداة تحليلية لعرض المقالات والأفكار، في نقلة نوعية تتواءم مع معطيات العصر الرقمي وثورته التقنية خصوصًا في ظل ازدهار الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتقدمة في صناعة الإعلام.
ومع هذا التحوّل، لم تسعَ “مكة” إلى استبدال المقال المكتوب، ولا إلى تهميش دوره، بل جاءت هذه المبادرة بوصفها رافدًا مساندًا يعيد تقديم المقال نفسه بصيغة سمعية جذابة، تُراعي التنوع في أنماط تلقي الجمهور، وتُفسح المجال أمام فئات جديدة للاطلاع على محتوى الصحيفة، بأسلوب يُراعي السرعة دون أن يفرّط في العمق، ويُحافظ على المهنية دون أن يتخلى عن الجاذبية.
البودكاست هنا لا يُمثّل بديلًا، بل صيغة موازية تُترجم المقال إلى تجربة حسية متكاملة تُمكّن المتلقي من التفاعل مع الأفكار بصوته وإحساسه، لا بحواسه البصرية فحسب ،فالمقال يُكتب بروح، ويُقرأ بصوت يحمل نبرة الفكر، ودفء الكلمة، ووقع الرسالة.
وقد استعانت الصحيفة بتقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة في تحليل النصوص، وتلخيصها بطريقة دقيقة لتسهيل تحويلها إلى محتوى صوتي دون إخلال بالمضمون ، كما ساعدت هذه الأدوات في تحسين أداء الإنتاج، وضبط الإلقاء، وتقديم الحلقات بأسلوب واضح ومهني يراعي جمال اللغة ، وبلاغة الفكرة.
في هذا السياق يظهر وعي صحيفة “مكة” بضرورة التجديد دون القطيعة، والتطور دون التفريط ،فمواكبة الإعلام الحديث لا تعني التخلي عن الأصالة، بل تعني إعادة صياغتها بما يتماشى مع أدوات العصر ووسائطه الجديدة ، وهذا ما تحقق فعليًا من خلال هذه الخطوة التي جمعت بين وضوح الصوت، وثراء الكلمة، وأناقة العرض.
المقالات الصوتية التي تبثها الصحيفة تمثل نموذجًا في التكامل بين الوسائط، وهي لا تلغي المقال المكتوب، بل ترفعه إلى منصة جديدة، يُلامس فيها عقل المتلقي وقلبه، ويصل إليه وهو في طريقه، أو في لحظة راحة، أو أثناء انشغاله بالحياة.
وهكذا تُثبت صحيفة “مكة” أن الإعلام ليس مجرد محتوى يُنشر، بل هو رسالة تُقدَّم بأكثر الطرق تأثيرًا، وأعمقها أثرًا، وأنّ التقنية حين تقترن بالفكر تصنع تجربة معرفية متكاملة لا يُمكن إغفال أثرها في صناعة الوعي.
وفي ضوء هذا التوجه، ترسّخ صحيفة “مكة” مكانتها كإحدى الجهات الرائدة في صحافة الذكاء الاصطناعي داخل المشهد الإعلامي السعودي والعربي ، بتبنيها لأساليب معاصرة لا تُجاري العصر فقط ، بل تُسهم في تشكيله.
لقد خطّت لنفسها طريقًا جديدًا يجمع بين التقنية والإنسان ، وبين التطوير والحفاظ على الرسالة الصحفية الأصيلة، لتكون نموذجًا يُحتذى في نقل الإعلام من مربع التقليد إلى فضاء الابتكار.

0