في خضم الحياة اليومية وتفاصيلها المتشابكة، يجد الإنسان نفسه في مواقف لا تُحصى ولا تُعد، بعضها يُنسي، وبعضها يُحفر في الذاكرة، وبعضها الآخر يترك أثرًا طيبًا لا يُمحى. ومما لا شك فيه أن هذه المواقف –بمقدار بساطتها أو عمقها– يمكن أن تكون مفتاحًا لكسب القلوب، وبناء السمعة، وتعزيز الاحترام الاجتماعي. فالحياة ليست فقط عن النجاح المهني أو الإنجاز الشخصي، بل هي أيضًا عن “كيف يرى الناس سلوكك؟” و”ما الصورة التي ترسمها لنفسك في أذهانهم؟”؛ فالمواقف الجميلة، مهما صغرت، قادرة على تجميل صورتك أمام الناس، وكسب محبتهم وتقديرهم.
من أجمل ما يزين الإنسان في نظر الآخرين تلك المواقف العفوية الصادقة التي تدل على نُبل الأخلاق، ومن ذلك:
مساعدة الآخرين: كم هي مهيبة صورة رجل يسارع بمساعدة مسن يحمل أغراضًا ثقيلة، أو شاب يدفع عربة تسوق بعد الانتهاء منها إلى سيدة تنتظر دورها؟ هذه المواقف لا تُنسى، وتُزرع في القلب قبل أن تُحكى على الألسنة.
وكذلك إيثار الطوابير: أن تقدم كبار السن أو النساء أو الأطفال في طوابير البنوك أو المحاسبة هو سلوك حضاري وإنساني، يعكس احترامك للغير ووعيك الاجتماعي. وقد وجدت دراسة نشرتها مجلة Journal of Social Psychology أن الأشخاص الذين يُظهرون سلوكيات إيثارية يُنظر إليهم بشكل أكثر إيجابية، ويُعدّون أكثر جاذبية اجتماعية من غيرهم.
وايضا الابتسامة والسلام: أضعف الإيمان كما يُقال، أن تبادر بالسلام والابتسامة لكل من تراه. وقد أثبتت دراسة لجامعة Penn State University أن الأشخاص المبتسمين يُنظر إليهم بأنهم أكثر جدارة بالثقة وأكثر ودًا، بل إن مجرد التفاعل بلطف مع الآخرين يُسهم في تحسين المزاج العام للطرفين.
وفقًا لعالم النفس الاجتماعي الدكتور آدم غرانت في كتابه الشهير “Give and Take”، فإن الأشخاص الذين يحرصون على تقديم الخير للآخرين هم الأكثر احترامًا وتقديرًا في مجتمعاتهم، بل ويحظون بفرص أكبر في النجاح المهني والاجتماعي.
والأمر لا يتوقف عند كسب ود الناس، بل يتجاوزه إلى كسب الأجر من الله تعالى، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“تبسمك في وجه أخيك صدقة”
(رواه الترمذي).
كما أن تقديم النصيحة والتوجيه، لا سيما في السر وبأسلوب حسن، مما يترك أثرًا طيبًا في النفوس، ويجملك أمام الآخرين؛ فالحكمة في الأسلوب، والصدق في النية، يرفعان مكانة المرء في القلوب.
إعلم أن كل موقف حسن تبادر به، هو لبنة في بناء سمعتك. وكل تصرف نبيل يسهم في رسم صورتك عند الآخرين. فالناس لا تتذكر كلماتك بقدر ما تتذكر مواقفك، ولا تتعلق بك لما تملك، بل لما تُقدّم وتبذل. وقد كشفت دراسة نُشرت في Harvard Business Review أن السمعة الشخصية تُبنى من خلال ثلاث ركائز: الأداء – الأخلاق – السلوك الاجتماعي، وأن السلوكيات الصغيرة كقول “شكرًا” أو “تفضل” تخلق انطباعات تدوم أكثر من كلمات طويلة من المدح.
الرسالة الأخيرة: كن كما تحب أن يراك الناس
بطبيعة الحال ، المواقف الإيجابية كثيرة ومتنوعة، فاختر منها ما يحبب الناس لك وفيك، وابتعد عما ينفرهم منك. لا تتكلف في تصرفك، بل اجعل الطيب خلقًا دائمًا، لا طارئًا. ولا تنتظر جزاء ولا شكورًا، فحب الناس نعمة، وذكرهم لك بخير دعاء، وأجرك محفوظ عند الله.اجعل شعارك: “افعل الخير ما استطعت، وكن سببًا في ابتسامة أحدهم اليوم”.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود







شكرًا على هذه المقالة التي أعادت تسليط الضوء على جمال التفاصيل الصغيرة في حياتنا اليومية.
ما لفتني هو التوازن بين البساطة في الطرح وعمق الأثر، خاصة في تذكيرنا بأن الناس لا تحفظ أقوالنا بقدر ما تحفظ مواقفنا.
لعلنا في هذا الزمن السريع بحاجة ماسة إلى من يُعيد لهذه التصرفات العفوية قيمتها؛ أن نُبادر بالسلام، نُقدّم غيرنا، نبتسم بصدق، ونُعين دون أن نُسأل.
والأجمل أن المقال لم يكتفِ بالتحفيز العاطفي، بل أسنده بدراسات واقعية وربطه بحديث نبوي شريف.
شكرًا لك على هذا التذكير النبيل. وأتمنى أن نرى مزيدًا من المقالات التي تُضيء الجوانب التي نغفل عنها في زحمة الحياة..