يشكّل الإعلام اليوم واحدًا من أهم أدوات التأثير والتقارب بين الشعوب والدول، وهو العامل القادر على تحويل الخلافات إلى فرص، والاختلافات إلى مساحات للحوار البنّاء. وفي ظل المرحلة الجديدة التي تشهد انفتاحًا وتوازنًا في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، يبرز دور الإعلام بوصفه قوة ناعمة يمكن استثمارها في ترسيخ أجواء الثقة المتبادلة ودعم المصالح المشتركة.
فالخطوة الأولى لتعزيز العلاقات الودية بين البلدين تبدأ من تغيير الخطاب الإعلامي ليكون خطابًا مسؤولًا وعقلانيًا، يقدم المعلومات بموضوعية، ويبتعد عن التهييج أو الاصطفاف الذي لا يخدم استقرار المنطقة. فالإعلام قادر على تخفيف التوتر وتقديم روايات إيجابية عن الطرفين، وفتح نافذة يتعرّف من خلالها الشعبان على ثقافة الآخر وقيمه ومبادراته التنموية، بما يخلق أرضية مشتركة للتفاهم. فحين يساهم الإعلام في تسليط الضوء على المشتركات الدينية والثقافية والجغرافية والمصالح الاقتصادية، فإنه يرسّخ قناعة بأن العلاقات السعودية–الإيرانية ليست خيارًا ظرفيًا بل ضرورة إقليمية. أما القوة الناعمة، بوصفها أداة تأثير غير مباشرة، فإن استثمارها في المجال الإعلامي والإعلاني يوفر فرصة مثالية لبناء صورة إيجابية للطرفين، ودعم الحوار، وتقديم نماذج تعاون ناجحة. ويشمل ذلك الإنتاج الإعلامي المشترك، وتنظيم المنتديات والحوارات التلفزيونية، وتبادل الوفود الإعلامية، والتعاون في تغطية الفعاليات الاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى تقديم حملات إعلامية تسهم في رفع مستوى الوعي الشعبي بأهمية الاستقرار الإقليمي. كما يمكن للقوة الناعمة أن تتوسع من خلال المحتوى الرقمي وصناعة الأفلام والبرامج الوثائقية والتقارير المتخصصة التي تبرز الإمكانات التنموية والإنسانية في البلدين.
إن الإعلام والقوة الناعمة ليسا مجرد أدوات اتصال، بل ركيزتان استراتيجيتان يمكن أن تفتحا صفحة جديدة في العلاقات السعودية–الإيرانية، تقوم على حسن الجوار والتعاون والمصالح المشتركة. وفي ظل التحولات الدولية والإقليمية، يصبح من الضروري أن يُسهم الإعلام في بناء بيئة تواصل صحيّة، تُعزّز الاستقرار وتدعم التنمية وتعيد للمنطقة قوتها وتأثيرها. بهذه الرؤية يصبح الإعلام جسرًا لا يُشيّد بالحجارة، بل بالكلمة الصادقة والرسالة المتوازنة والإرادة الصادقة لصناعة مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للبلدين والمنطقة بأكملها.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود






