المقالات

جودة الحياة في المملكة ..رؤية ومستقبل

حين تتحول الرؤية إلى أسلوب حياة، ويصبح الحلم نظامًا يتنفسه الناس لا شعارات تُرفع، نكتشف أن المملكة لا تكتفي بالسعي نحو التغيير، بل تختار أن تُعيد صياغة مفاهيم الحياة ذاتها، وتعيد ترتيب أولوياتها لتضع الإنسان في صدارة الاهتمام. في السعودية الجديدة، لم تعد “جودة الحياة” مصطلحًا تنظيريًا أو بندًا في وثيقة، بل أصبحت ملمحًا حاضرًا في الميادين المفتوحة، في الحدائق النابضة، في الفعاليات التي تُشبهنا، في الفضاءات التي تفسح للفرح مجالًا وللهوية مساحة أوسع.

هذه الجودة لم تعد تقتصر على توفير خدمة أو تيسير تنقل، بل تجاوزت ذلك إلى غرس ثقافة كاملة تُعاش في التفاصيل الصغيرة قبل المظاهر الكبيرة، في صوت العصافير الذي أصبح أقرب من ضجيج المدينة، في مكان مخصص لهواية كادت تندثر، في حضور الفن كحق، والثقافة كضرورة، والرفاه كاستحقاق.

ولأن التحول لا يُقاس بالمشاريع فقط، بل بما يحدث داخل الإنسان، يبقى السؤال الأكثر صدقًا: هل نعيش جودة الحياة فعلًا؟
قد يعيشها من يشعر أن الزمن أصبح أكثر إنصافًا، والمكان أكثر ترحيبًا، والفرص أقرب للعدالة، لكن من لم يكتشف بعد أن هذا الوطن يمنحه حق المشاركة لا المشاهدة، سيظل يشعر بأن التغيير خارجه لا فيه

انطلقت رؤية 2030 لتجعل من جودة الحياة مسارًا حقيقيًا لا رفاهًا عابرًا، فجاء برنامج جودة الحياة ليحول الحلم إلى واقع مُقنن، تترجمه مشاريع كبرى مثل موسم الرياض، الذي لم يكن مجرد مهرجان، بل نافذة على شكل جديد من الحياة، شكل يستوعب البهجة ولا يخجل منها، يفتح الأبواب للموسيقى والمسرح والفنون، ويحتفي بكل ما يجعل من الحياة تجربة تستحق أن تُعاش بكاملها

تطورت المدن والبنى التحتية وتوسعت دوائر الثقافة والترفيه، وبدأت المساحات تتسع لخطوات النساء والرجال والأطفال على حد سواء، فالمشاريع لم تُبنَ فقط بالحجر بل بالثقة، لم تُصمم فقط للعرض بل للحياة اليومية، بدءًا من النقل العام، مرورًا بالمرافق الصحية والرياضية، وصولًا إلى المشاريع الضخمة مثل القدية ونيوم، التي تعيد تعريف المدينة والبيئة والعلاقة بين الإنسان والمكان

ورغم كل ذلك، يظل جوهر السؤال قائمًا: هل نعيشها في وجداننا فعلًا؟ هل نمارس هذه الجودة كقناعة داخلية، أم ننتظر أن تُمنح لنا كاملة دون أن نشارك في تشكيلها؟ الجودة لا تُسلّم مغلفة، إنها تُبنى من وعي المجتمع، من قدرته على التفاعل لا التلقي فقط، من وعيه بأن كل مقهى جديد هو فرصة لحوار أجمل، وكل شارع نظيف هو انعكاس لأخلاق الناس قبل كفاءة البلديات

التقارير تقول إن الرضا يتصاعد وإن النسبة ارتفعت، لكن الأرقام لا تكفي وحدها، فالثقافة لا تقاس فقط بالإحصاءات، بل بالشعور العميق أن هذه الأرض تحتفي بك، تفهمك، وتناديك لتكون جزءًا من صياغة المستقبل

برنامج جودة الحياة ورؤية 2030 في السعودية ليست تجربة نخبوية ولا قصة مفروضة، إنها مشروع وطني مفتوح، يعيش في الروح قبل الشارع، ويبدأ من سؤال بسيط: ماذا يعني أن تعيش حياة طيبة؟ من يملك إجابة صادقة، يملك أن يكون شريكًا حقيقيًا في هذا التحول

في النهاية، جودة الحياة ليست وعدًا مؤجلًا، إنها دعوة يومية، وكل خطوة نختار فيها أن نكون جزءًا من الحلم، نمنحها معنى جديدًا، ونؤكد أننا لا نعيش التغيير فقط، بل نصنعه أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى