منطقة الباحة تهامة وسراة وبادية تضم مجموعة من الأسواق في أنحاء المنطقة تقام على مدار الأسبوع عمرها بمئات السنين منذ أن وطأت أقدام من سكنها على مر العصور وكانت هذه الأسواق تمون القرى والهجر بالمواد الغذائية والأقمشة وبها أجزاء مخصصة لبيع المواشي وأخرى لبيع اللحوم وكذا الحبوب كالقمح والذرة والشعير والدخن والدقسة إلى جانب بيع مشتقات نتاج الغنم والبقر والنحل وأصناف كثيرة من المبيعات التي كانت تصل إليها من مكة وجدة عن طريق التجار من أبنائها أو من المناطق الأخرى والدول المجاورة وبالذات اليمن لقربها من جنوب المملكة .
وقد سبق أن كتبت عنها وعن أيامها وعاداتها وتقاليدها ومع التطور الذي شهدته المملكة العربية السعودية خلال مائة عام وبالذات في عهد الدولة السعودية الثالثة التي نتفيأ ظلا أمنها ورخائها واستقرارها انتشر المحلات التجارية في كل مكان بما فيها القرى والهجر والبادية وعلى الطرق التي تربط بينها وبدأت هذه الأسواق تندثر وقل آمينها من القبائل التي حولها ولعل ما دعاني هنا للكتابة عنها ما عادت بي الذاكرة لسوق رغدان الشهير واسطة عقد الاسواق الشعبية الواقع في السراة بمنطقة الباحة إذ تلقيت دعوة كريمة من اللجنة المنظمة لفعاليات إحياء هذا السوق عن طريق الزميل الإعلامي القاص جمعان الكرت فاستجبت للدعوة وفي نفسي شيء من حتّى عن هذه السوق الذي كنت ” أهبط ” بلهجتنا إليه وأنا ربما في سن بين التاسعة والعاشرة تقريبا مرة مع الوالد – يرحمه الله – ومرة لوحدي بعد أن زرع والدي الثقة فيّه لأتبضع للبيت منه بالمقايضة نبيع القمح ونشتري بثمنه اللحم بما يسمى ” السادي ” الذي ربما يزن كيلو بريالين فقط وكنت أتبضع السكر والبن والشاهي من محلات التجار سالم بن خرصان وسعيد بن فرحان – يرحمهما الله – لمعرفة الوالد بهما كأصدقاء قد تنقص القيمة لقلة ذات اليد حينها فيدينون على المتسوقين حتى نهاية الأسبوع وكان هذا السوق من نوعه لعدة اعتبارات نذكر بعضها في ثنايا هذا المقال :
هذا السوق يقام في قرية رغدان كل يوم أحد بشكل اسبوعي لا ينافسه أي سوق في نفس هذا اليوم حيث يتوسط بلاد غامد وزهران وكان له عقود وعادات وتقاليد وأنظمة لا يمكن التعدي عليها أو تجاوزها كما كان فيه مكان مرتفع يشرف على السوق للإصلاح بين المتخاصمين يقع في مدخل السوق من جهة الغرب سواء من غامد بينهم البين أو زهران كذلك فيما لم يسجل التاريخ أي خصومة بين قبيلتي غامد وزهران إلا إن كانت بصورة فردية خاصة وكان هذا السوق مجمع اجتماعي بين القبائل التي ربما تقارب مائة قبيلة من حدود بني مالك وحتى حدود بيشة وحتى حدود المظيلف والقنفذة بمعنى أنه يتوسط عدة قبائل تقع في حدود مكة المكرمة وعسير والباحة وكان الباعة يفدون إليه لبيع مواشيهم ومحصولاتهم الزراعية وكان التمر يأتيه من العقيق وبيشة فقط باعتبارهما الأقرب من هذا السوق قبل أن تموت نخيل العقيق واقفة وحتى تأريخه لأسباب نجهلها وقبل أن تأتينا التمور اليوم من أنحاء المملكة بفضل الله وكان هذا السوق موزع توزيعا جغرافيا يضم باحتين بين مرتفعين تحت مسمى السوق الأعلى والسوق الأسفل تربط بينهما ممرات بالرجل للتسوق من الدكاكين التي بنيت بالحجارة وأبوابها من الخشب المحلي ” العرعر ” المنقوش بأيدي الحرفيين من أبناء المنطقة الذي بعضهم مازال حيّا حتى اليوم منهم النقاش حسن عمير متعه الله بالصحة عن عمر يزيد عن تسعة عقود .
سوق رغدان سوق تاريخي شهد بعض الأحداث قبل الدولة السعودية الأولى وعمره تقريبا يزيد عن اربعمائة سنة تقريبا من خلال ما كتب عنه في لوحة معلقة تحمل معلومات مهمة عن هذا السوق بأقلام عربية وأخرى غربية من الرحالة الذين وصلوا لمنطقة الباحة بعد علم 1041هـ ومن أهم هذه الأحداث مقتل أحمد باشا العثماني في هذا السوق تحديدا على أيدي جيش غامد وزهران التي انتصر فيها الجيشان على العثمانيين من بين عدت انتصارات أخرجت العثمانيين صاغرين فارين عام 1321 هـ وهذا السوق يعتبر من الأسواق التي كان لها حضورها في حركة البيع والشراء كما كان فيه رجال من أهالي هذه القرية موكل إليهم تنفيذ تطبيق عقود السوق والجزاءات لمن يخالف هذه الأعراف تبدأ بالمكيال وتنتهي بأفعال الرجال وكانوا حكما من ذوي الرجاحة في التعامل مع ما قد يخل بنظام السوق والتسوق ونظام البيع والشراء متفق عليها وأتذكر أنه شهد أول فندق من الحجر والطين لأحد أهالي رغدان لمن لا يستطيع العودة لمقر سكناه وخاصة الذين يؤمونه من تهامة والبادية لبعدهما عن مقره .
انعطاف قلم :
سعدت عند زيارتي للسوق بلقاء شيخ القبيلة الشيخ هاشم بن عبد الرحمن آل عدنان والزميل عبد الناصر الكرت عضو مجلس المنطقة والزميل صالح مديس المدير التنفيذي لجمعية رغدان للتنمية والخدمات الاجتماعية وعدد من الزملاء الإعلاميين والتربويين والشعراء الشعبيين الذين أحيوا العرضة الشعبية وسط السوق لساعتين وسط حضور كثيف كما سعدت بمشاهدة فقرات متنوعة ومحلات تجارية للحرفيين والمهنيين من الرجال والنساء من أنحاء المنطقة في برنامج يمتد لخمسة أيام تقريبا فنبارك لهم هذا النجاح وننتظر الجديد القديم في هذا السوق الشعبي المحيا من جديد .
0





