
منذ إعلان استضافة المملكة العربية السعودية لبطولة كأس آسيا لكرة السلة 2025، كانت التطلعات كبيرة بأن تكون النسخة مختلفة. لكن ما حدث تجاوز التوقعات؛ 16 منتخبًا آسيويًا جاؤوا من أربع زوايا القارة، ليجدوا مدينة تملك القدرة على الجمع بين دقة التنظيم العالمي وسحر المكان.
منذ لحظة الإعلان، تعاملت المملكة مع البطولة كمنصة لتأكيد قدرتها على قيادة المشهد الرياضي الآسيوي. مدينة الملك عبد الله الرياضية كانت في الموعد بتجهيزات عالية المستوى، وخدمات لوجستية متكاملة، وحضور إعلامي كثيف، وتنظيم أمني سلس جعل الجماهير تعيش تجربة استثنائية بمعايير عالمية.
جدة احتضنت القارة في نسخة استثنائية جمعت بين دقة التنظيم السعودي وإثارة المنافسات حتى صافرة الختام. فمنذ اليوم الأول، حُسِبت كل التفاصيل بدقة، من الاستقبال وحتى إدارة المباريات، لتؤكد أن المملكة لم تستضف فقط، بل صنعت حدثًا رياضيًا متكاملًا.
على مدى 12 يومًا، تنافس 16 منتخبًا آسيويًا في سلسلة من المواجهات القوية، أمام حضور جماهيري قياسي في صالة الملك عبد الله، مع تغطية إعلامية واسعة من مختلف الدول. مباريات المجموعات كانت مثيرة، أبرزها مواجهة السعودية والفلبين التي امتدت إلى وقت إضافي، لتُظهر أن المنتخب السعودي رغم عدم تأهله إلى ربع النهائي ترك بصمة تنافسية مشرفة ومستوىً يليق بروح البطولة، ويعكس مستقبلًا واعدًا لكرة السلة السعودية. فيما استعرضت الصين قوتها أمام كوريا بقيادة نجمها هو جينتشيو، وخطفت نيوزيلندا الأضواء بعودة تاريخية أمام لبنان. وقد أكدت هذه المرحلة هوية البطولة بصراع لا يُحسم إلا في اللحظات الأخيرة: أستراليا تفرض هيبتها، الصين تلمع بنجومها، نيوزيلندا تُدهش الجميع بعودتها، وإيران تصارع حتى الرمق الأخير.
الجماهير بدورها كانت شريك النجاح، حيث امتلأت الصالة بالحضور السعودي والعربي والآسيوي، لتصنع أجواء استثنائية. وما ميّز البطولة أن الجماهير السعودية حضرت لتشجع جميع المنتخبات، مانحةً المنافسات حضورًا لافتًا وروحًا تنافسية متفرّدة جعلت من المدرجات لوحة رياضية لا تُنسى.
النهائي الكبير كان مسك الختام: مواجهة مثيرة جمعت الصين وأستراليا وانتهت بفارق نقطة واحدة فقط (90–89)، في مشهد حبَس أنفاس الجماهير حتى الثانية الأخيرة. المنتخب الأسترالي بقيادة جايلين غالاوي وكزافييه كوكز قلب تأخره إلى فوز تاريخي، ليُتوَّج بكأس آسيا لكرة السلة 2025 ويُكمل متتالية ذهبية للقب الثالث على التوالي. أما المنتخب الصيني، فقدم أداءً بطوليًا بقيادة نجمه هو مينغشوان، لكنه لم ينجح في حرمان أستراليا من إنجازها الاستثنائي.
لم تكن بطولة آسيا لكرة السلة 2025 في جدة مجرد حدث رياضي عابر، بل جاءت لتجسّد رؤية المملكة 2030 التي جعلت من الرياضة وسيلة لبناء الجسور الثقافية وتعزيز مكانة السعودية في الخارطة العالمية.
ورغم خروج الأخضر من الدور الأول، إلا أن السعودية خرجت بإنجاز آخر لا يقل أهمية: تنظيم عالمي وتجربة جماهيرية لن تُنسى، ورسالة واضحة أن استضافة الأحداث الكبرى أصبحت جزءًا من استراتيجية راسخة تضع المملكة في صدارة المشهد الرياضي الدولي.
هذا النجاح أكد أن الرياضة تتجاوز حدود الكؤوس والنتائج، فهي لغة مشتركة تجمع الشعوب. فقد جمع حضور 16 منتخبًا آسيويًا في مدينة واحدة بين التنافس والتلاقي الثقافي، لتتحول جدة إلى ساحة دبلوماسية غير رسمية تجسّد صورة المملكة كجسر بين الشرق والغرب.
وما قدّمته جدة خلال 12 يومًا رسّخ مكانتها مركزًا محوريًا للرياضة الآسيوية؛ تنظيم مبهر، حضور جماهيري كثيف، وانسيابية في إدارة الفعاليات، عناصر صنعت بطولة أيقونية في تاريخ القارة. هذا كله لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة استثمار استراتيجي ورؤية واضحة لتحويل المملكة إلى وجهة للرياضة العالمية.
لتبقى البطولة إرثًا يتجاوز حدود المنافسات؛ فقد خرجت جدة بسمعة دولية عززت من مكانة المملكة كقوة ناعمة تستخدم الرياضة لبناء صورة إيجابية عالميًا. ومن المؤكد أن نجاح كأس آسيا 2025 سيكون نقطة انطلاق لبطولات أكبر، يظل معها اسم جدة مقترنًا بتنظيم يُحتذى به في الروزنامة الآسيوية.






