المقالات

بذل المجهود في إفحام اليهود!

تظهر أحيانًا شخصيات في عالم الفكر والثقافة والدين، يكون لها دور بارز في تغيير مجرى التاريخ، لا بالسلاح ولا بالسلطان، بل بقوة العقل والمنطق والدراسة والبحث عن الحقيقة. ومن بين هؤلاء يبرز اسم العالم الموسوعي السموأل بن يحيى المغربي، الحبر اليهودي السابق، والطبيب والفلكي والرياضي العبقري، الذي فاجأ الجميع بإسلامه، وخلّف وراءه واحدًا من أقوى مؤلفاته في الرد على اليهودية، وهو كتابه الشهير «بذل المجهود في إفحام اليهود».

وُلد السموأل بن يحيى المغربي سنة 1130م في مدينة فاس المغربية، لعائلة يهودية معروفة بعلمها وتدينها. انتقل مع أسرته من فاس إلى بغداد لفترة، ثم إلى بلاد فارس. وفي سنة 1163م اعتنق الإسلام بعد أن رأى حلمًا يأمره بذلك. توفي في مراغة بأذربيجان سنة 1180م. وقد برع منذ صغره في الرياضيات والفلك والطب، حتى غدا واحدًا من كبار علماء عصره.

دفعه فضوله العلمي والفكري إلى الغوص في أعماق الكتب السماوية للبحث عن الحقيقة. وعلى الرغم من مكانته الرفيعة في أوساط اليهود، فإن قلبه لم يعرف الراحة حتى درس الإسلام دراسة وافية، وبدأ بإجراء مقارنة دقيقة بين الإسلام واليهودية. وبعد رحلة طويلة من التأمل والمقارنة، أعلن إسلامه سنة 558هـ (الموافق 1163م)، مما أثار صدمة كبرى في أوساط العلماء اليهود في تلك الفترة.

لم يكن إسلام السموأل مجرد قرار شخصي، بل كان ثمرة قناعة فكرية وعلمية عميقة، فأراد أن يشارك رحلته العقلية مع العالم، فكتب مؤلفه الجريء «بذل المجهود في إفحام اليهود»، الذي شرح فيه أسباب تركه للديانة اليهودية واعتناقه للإسلام، مظهرًا الكثير من التحريفات في التوراة، وناقش التناقضات الموجودة في الفكر اليهودي من خلال نصوصهم الأصلية. كما استند في الوقت نفسه إلى ما ورد في القرآن الكريم، وإلى البشارات في التوراة التي تدل على نبوة محمد بن عبد الله ﷺ.

وقد أحدث الكتاب عند ظهوره صدمة في الأوساط الفكرية، ولا سيما أن مؤلفه كان من كبار علماء اليهود. واستشهد به لاحقًا الكثير من علماء الإسلام، منهم ابن القيم في كتابه «هداية الحيارى»، وكذلك العديد من علماء مقارنة الأديان.

وفي مقدمة كتابه يقول السموأل بن يحيى المغربي:
“إني كنت من كبار أحبارهم، وعالمًا بأسرار دينهم، فما وجدت فيه إلا التناقض والافتراء. فلما تأملت دعوة النبي محمد ﷺ رأيت النور والهداية، فآمنت به.”

يُعد هذا الكتاب وثيقة فكرية نادرة من داخل العقلية اليهودية نفسها، لكنه كُتب بعيون إنسان خرج منها بإرادة ووعي، دون ضغط أو إكراه أو تقليد. وقد أُعيد نشر كتاب «بذل المجهود في إفحام اليهود» وترجم إلى عدة لغات، ولا يزال يُقرأ حتى يومنا هذا كأحد أبرز الردود العلمية على الفكر اليهودي من شخص عاشه عن قرب.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا د/بكري على هذا المقال والذي يكشف جزءا من شخصية تلك الأمة

  2. فتح الله عليكم معالى الأخ الدكتور بكرى عساس على مقال تنويرى يحمل قصة إسلام حبر يهودى نصرة لدين الحق وإبراء لذمته مما قرأه وعرفه فى كتب اليهود من تضليل وتحريف وتناقض وآمل أن أجد الفرصة لقراءة مؤلفه هذا إستراحة فى العلم والمعرفة بدين اليهودية المحرّف والمضلّل .

اترك رداً على ابوسلطان إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى