المقالات

حين يصبح الابن مدرسة أبيه!

«ضفاف الوعي»

منذ طفولتنا الأولى، نرى في والدينا مدرسة الحياة الكبرى. نستمد منهم دروس الحب والحنان، ونتشرب عبر كلماتهم ونظراتهم وأفعالهم أول معاني الرحمة والرعاية. لا شك أن الأب هو السطر الأول في كتاب التجربة الإنسانية، وهو المعلّم الأول الذي نراه قدوة قبل أن نتعلم القراءة والكتابة.

لكن المفارقة العميقة تتكشف لاحقًا، حين نكبر ونبني أسرنا ونرزق بأبناء. في تلك اللحظة، ندرك أن هناك مساحة جديدة من المشاعر لم نكن نعرفها، مشاعر لم تكن واضحة لنا ونحن في عمر الزهور. وحين يكبر أبناؤنا، ويقتربون من التخرج أو من مواجهة الحياة الجامعية والوظيفية، تبدأ تلك المشاعر بالاتساع: الحرص، القلق، التمني، والسعي لتذليل الصعاب. هنا بالضبط، نلمس الدور الحقيقي لآبائنا معنا، لكن عبر مرآة الأبناء.

فكرة هذا المقال تقوم على أن الأب، في مراحل متأخرة من عمره، يكتشف أن الابن هو المدرسة بالنسبة له. فهو الذي يجعله يستشعر دور الجد، ويلمَس نفس المشاعر التي كانت خافية عنه يومًا ما. والطريف أن الابن في هذا العمر لا يشعر بذلك أبدًا!

إنها صدمة وعي جميلة، إذ نكتشف أن أبناءنا ليسوا مجرد مستقبلنا، بل هم أيضًا مدرستنا الثانية. هم الذين يفتحون أعيننا على معنى الأبوة من جديد، ويجعلوننا نفهم بعمق ما بذله والدنا معنا. فالابن، في حقيقة الأمر، هو المدرسة التي نتعلم منها أبعاد التجربة، بينما الأب هو الجامعة التي تنقل المعرفة والوعي إلى الأجيال المتعاقبة.

وكما قال شوقي: “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق”، فإننا نستطيع أن نضيف أن الأب جامعة تنقل وعي التجارب وخلاصتها، ليكتمل البناء التربوي بين مدرسة الأم وجامعة الأب، فيتوازن أثرهما معًا عبر الأجيال.

وختامًا، لا يسعنا إلا أن نقول: جزى الله والدينا عنا خير الجزاء، وجعل ما بذلوه لنا في موازين حسناتهم، وألهمنا أن نكون لأبنائنا جامعة حب وحكمة ووعي، كما كانوا لنا مدرسة حياة لا تنسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى